آخر تحديث :الثلاثاء-07 يناير 2025-11:21م

الحبل السري والاسطورة

الأحد - 05 يناير 2025 - الساعة 01:55 ص

د. قاسم المحبشي
بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


فيما يشبه التمهيد للعلاقة بين الفلسفة والحضارة


كما أن الجنين، المولود الجديد؛ أول ما يطلع من رحم أمه يتم قطع الحبل السري بينهما ولكنه يظل مرتبطا بها بيولوجيا في مراحل طفولته الأول بحكم حاجته الحيوية إلى الحماية والتغذية والتربية والرعاية وهذه ما يجعل الطفل أول ما يناغي ينطق بها ( ماما ماما ماما) فالأم هي أول منازل الكينونة والمعرفة إذ إن الرضيع في أول أمره لا يعرف من الدنيا غير أمه ومن ثم فهي مدار حياته واسئلته وشقاواته حتى يبلغ سن الرشد.

وهكذا هو حال النوع البشري قبل إن يكون كذلك أقصد في المرحلة الحيوانية الفجة في علاقته مع الطبيعة إذ ظل مدمجا في رحمها مثله مثل جميع الكائنات الحية بلا استثناء ربما امتد ذلك لملايين السنين قبل الكتابة والحضارة الإنسانية

منذ الالاف الأعوام حوالي عشرة الف عاما فقط بحسب ارنولد توينبي وقد كانت الأسطورة الممزوجة بالسحر والخرافة واللاهوت هي الأفق الفكري الوحيد للحضارات الباكرة وهذا ما أكده كارل ياسبرز، إذ يرى " أن التفكير الخرافي، أو «الصانع للأسطورة»، هو تفكير بدائي، ومحمل بالمشاعر، وهو أيضًا جزء من الدين، وإسقاط للتوحد الروحي على العالم. في المقابل، يزعم كاسيرر اختلافه الجذري مع ليفي-بريل في التأكيد على أن التفكير الخرافي يحظى بمنطق فريد من نوعه. وفي حقيقة الأمر، يطرح ليفي-بريل القول نفسه بل ويبتكر مصطلح «قبل منطقي» لتجنب وسم التفكير الخرافي بصفات مثل «غير منطقي» أو «لا منطقي». وفي كتابه آل فرانكفورت، ما قبل الفلسفة، المغامرة الفكرية الأولى ذهبا إلى أن البدائيين يفكرون تفكيرًا «صانعًا للأسطورة»، وهو ما يعني التفكير بصورة مادية، وبطريقة غير نقدية، وعاطفية. ولا تعد الميثولوجيا سوى تعبير واحد عن التفكير الصانع للأسطورة، إن لم يكن التعبير الأكثر ثراءً على الإطلاق بين صور التعبير الأخرى .. إن البدائيين يتعاملون مع العالم باعتباره «أنت» وليس «هو»، فسيعني ذلك أنهم يتعاملون معه كشخص وليس كشيء. وبذلك، لا يُعزى هطول الأمطار بعد فترة من الجفاف إلى التغيرات الجوية، بل فلنقل إلى إلحاق إله المطر الهزيمة بإله غريم، كما يرد في الأسطورة. وإذا جرى فهم العالم باعتباره «أنت»، سيعني ذلك طمس حقائق يومية تمييزية في ثنائية «أنا وهو». فلا يستطيع البدائيون التفرقة بين الذاتي والموضوعي؛ فهم يرون الشمس تشرق وتغرب، ولا يرون الأرض تدور حولها. يرى البدائيون الألوان، ولا يرون الأطوال الموجية. لا يستطيعون التفرقة بين المظهر والمخبر؛ فالعصا «تبدو» منثنية في الماء وليست هكذا تكون. والأحلام حقيقية؛ نظرًا لأنهم رأوها كأنها حقيقية. ولا يستطيعون التمييز بين الرمز والشيء المرموز له؛ فالاسم يتطابق مع صاحبه. وإعادة تمثيل الأسطورة تعني تكرارها"


وحينما بدأ التفكير الفلسفي في اليونانية أول ما بدأ مهموما بالاسئلة الكبرى؟ ما الكون؟ ما الكينونة؟ ما الطبيعة؟ وما أصل الأشياء؟ الخ. تماما كما هو حال الطفل في رعاية أمه قبل البلوغ والرشد.