قال تعالى: "يحسبون كل صيحة عليهم. هم العدو فاحذرهم. قاتلهم الله أَنَّى يؤفكون". صدق الله العظيم.. هكذا يصف القرآن الكريم حال المنافقين في مُحكم آياته ، فخيالاتهم المريضة تصوّر لهم بأن كل إشارة تعنيهم ، وأن كل تهمة موجهة بسهمها الحاد إليهم.
وكما يقول المثل عند إخواننا في مصر.العروبة: "اللي على راسه بطحة يحسس عليها"، وهذا بالضبط هو حال شرذمة ( الإخوانيين )، وحزب الإخوان في بلادنا تحديدا.
قبل أيام، طافت بالأذهان وعصرت بالقلوب ذكريات مؤلمة وحزينة لمشاهد مؤلمة لم يعرف تاريخ اليمن لها مثيلًا أو أشد منها دموية.
فقد حلَّت علينا ذكرى جمعة أول رجب الدامية بكل ما تحمله هذه الحروف من حرقة وألم ودموع لم تجف من مآقيها حتى اللحظة، ذلك لكونها ارتبطت بأحد أكثر الأحداث مأساوية ووحشية وهمجية في تاريخ اليمن الحديث، ألا وهو تفجير أحد بيوت الله على الأرض وهو جامع دار الرئاسة في 3 يونيو 2011.
لقد هزَّ حادث التفجير هذا وجدان اليمنيين الشرفاء، وأدمى قلوبهم البيضاء، حيث اُستهدف الرئيس الأسبق و الرمز الوطني و الزعيم الشهيد علي عبد الله صالح، وكبار قيادات الدولة ورئيس وأعضاء الحكومة، أثناء أدائهم مجتمعين لفريضة صلاة الجمعة المباركة، في جريمة نكراء حيكت خيوط مؤامراتها بأيادٍ خبيثة ونفوس آثمة، وصفها العالم حينها بأنها عمل إرهابي جبان بامتياز استهدف استقرار الدولة وأمنها ، وخرق كل الأعراف الدولية و القواعد الإنسانية.
لعلنا نتذكر أنه في يوم التفجير، تحوّل جامع الرئاسة إلى مسرح للدماء والأشلاء ، ورعب وإرهاب، حيث أودى الانفجار بحياة العديد من المصلين من كبار قيادات الدولة، على رأسهم الدكتور الشهيد عبدالعزيز عبدالغني رئيس مجلس الشورى، وإصابة أكثر من 200 مدني وعسكري على رأسهم الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح الذي تعرّض لجروح بليغة ، لكنه بفضل الله تعالى نجا بأعجوبة ، ما أثار تساؤلات حول الجهات التي وقفت خلف هذه الجريمة.
أشارت أصابع الاتهام حينها إلى حزب الاصلاح (الاخونجيين) ، وتكشَّفت لاحقًا معطيات خطيرة تُظهر أن جماعة الإخوان المسلمين البريئة من كل أخلاق السلام في اليمن وميليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً ، وبعض القوى السياسية المتحالفة معهما ، قد لعبت دوراً بارزاً في التخطيط والتنفيذ للجريمة ، في محاولة لإضعاف القيادة الشرعية ، وإحداث فراغ سياسي يخدم أجندتها ، ويسهِّل لها تنفيذ انقلاب.
الغريب في الأمر، أن الإخونجيين ثارت ثائرتهم فور أن سمعوا برفع منظمة حقوقية مدنية دعوى ضد المتهمين باستهداف رئيس الدولة ورئيس وأعضاء الحكومة في جمعة رجب 2011، وسارعوا بتحريض سفهائهم ليسخروا ويهاجموا، فقد اعتبروا أن الدعوى مقامة ضدهم هم، رغم أن من حق أولياء الدم أو أي إنسان لحقه أي ضرر من هذه الجريمة أن يطالب بالقصاص من المجرمين.
ومن خلال موقفهم هذا، تتبادر إلى أذهاننا أسئلة مفادها: هل كنتم أنتم السبب في حادث جامع دار الرئاسة؟!،
هل أنتم من ارتكبتم هذه الجريمة؟!،
و لماذا كل هذا الغضب المزعوم إذا لم تكونوا أنتم من فعلها وخطط لها ونفذها؟!.
حقيقة، ليس مستغرب عليكم هذا الموقف؛ والسبب أن هذه هي طباعكم المتلونة ، فقد عهدناكم عبر تاريخكم الطويل و الأسود المتمثل بعدم تقبلكم للآخر والنرجسية المطلقة وسيادة مبدأ "من ليس معي فهو عدوي"، وأن من يخالفكم الرأي، ولم يتفق معكم ومع سياساتكم المنحرفة، أن تسلّطوا عليه سفهاءكم الذي يتقئون الكذب والزور .
لكن رغم ما فعلتموه وتفعلوه لا بد أن تتيقنوا أننا لن نتنازل عن حقنا الشرعي في القصاص ممن خُضبت أيديهم بدماء اليمنيين الأبرياء، وتسببوا بتدمير كيان الدولة، وتصدع أركانها.. وإنَّ غدًا لناظره قريب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
هذه الحادثة الجبانة يفترض أن يكون الإخوانجيون هم أول من يدينها علنًا جهارًا نهارًا ، ويستنكرون وقوعها، ويطالبون بتعقب المجرمين..
فلماذا كل هذا الانفعال غير المبرر؟، فإن كنتم أبرياء من تلك الفعلة الشنعاء فلماذا جن جنونكم وخرجتم عن طوركم لمجرد أن منظمة حقوقية تطالب بالتحقيق في ملابساتها، وملاحقة الجناة؟!
الجريمة المأساوية التي حدثت في الجمعة الأولى من شهر رجب عام 2011، لم تكن تفجيرًا عاديًا، وحادثًا إرهابيًا، بل كان لها توابعها الزلزالية.. فعلى الرغم من نجاة الرئيس الشهيد علي عبد الله صالح، رحمه الله وطيب ثراه ، ولجوئه للعقل والحكمة في تجنب سقوط البلاد في هوة سحيقة، إلا أن مآلاتها الكارثية لم تتوقف حتى الآن. بعد الحادثة، ما غاظ الجناة، ومحرضوهم، هو أن المغفور له الشهيد علي عبد الله صالح، لم يلجأ للتصعيد، ولم ينجحوا في استدراجه إلى فخ رد الفعل الانتقامي.. هذا ما أرادوه، لكنهم فشلوا.
إن الفوضى التي تشهدها اليمن حاليًا، وتعاني منها المنطقة، والعالم بأسره هو من توابع زلزال تفجير جمعة اول رجب، وهو جزء من مؤامرة كبرى استهدفت استقرار الوطن العربي.
تتجه الأنظار في هذا السياق نحو التجمع اليمني للإصلاح، الذي يعتبر فرعاً لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، والذي يواجه تساؤلات حول موقفه من جريمة استهدفت رأس الدولة وقياداتها. إذا كان التجمع يهدف إلى تحقيق مصالحة وطنية حقيقية وترميم النسيج الاجتماعي في اليمن، عليه أن يبدأ بإعلان موقف واضح من هذه الجريمة.
يجب على التجمع التجمع اليمني للإصلاح أن يتبرأ من الجريمة ومن مرتكبيها، وأن يثبت عدم تورط أي من أفراده فيها.
هذا التبرؤ لن يكون مجرد خطوة رمزية، بل هو استحقاق وطني وأخلاقي وسياسي. المصالحة الوطنية لا يمكن أن تتم بنجاح إذا لم يتم تحديد مواقف واضحة تجاه تلك الجريمة الارهابية.
يحتاج اليمن إلى مواقف شجاعة ومسؤولة تعيد الثقة بين الأطراف وتضع البلاد على طريق السلام والاستقرار. لا يمكن التحدث عن مصالحة وطنية حقيقية من دون مواجهة الماضي بشجاعة وصدق. ويجب على التجمع اليمني للإصلاح أن يتحمل مسؤوليته التاريخية، سواء بالتبرؤ من الجريمة أو بالمساهمة في تقديم الجناة إلى العدالة، ليكون جزءًا من الحل لإنهاء المشكلة وتحقيق السلام والاستقرار في البلاد.
رحم الله الشهداء، ولا نامت أعين الجبناء.