آخر تحديث :الأربعاء-08 يناير 2025-07:09م

جدلية العلاقة بين الفلسفة والحضارة

الثلاثاء - 07 يناير 2025 - الساعة 01:52 ص

د. قاسم المحبشي
بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


فيما يشبه التمهيد لندوة (الفلسفة مشروع للقيادة المستدامة ) في ليبيا غدا


مع كل يوم يمر، يزداد اقتناعي بجدلية العلاقة بين الفلسفة والحضارة بمعنى إن الفلسفة لا تنمو ولا تزدهر إلا في بيئات حضارية متعينة، وذلك انطلاقا من الفرضية التي ترى إن إزدهار الثقافة بوصفها القوة الإبداعية في التاريخ ( علماً وأدباً وفناً) ليس مسألة ثقافية بل هي مسألة حضارية بالإساس بحسب توماس كون. وقد بينت التجربة التاريخية

أن نمو وازدهار الفلسفة يرتبط بتحقق مجموعة من الشروط الحضارية التي تُهيئ بيئة ملائمة للتفكير الفلسفي العميق. هذه الشروط ليست مجرد عوامل فنية ومعرفية، بل تشمل الأبعاد الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تعزز روح التساؤل والإبداع. من أبرز هذه الشروط:


1. الحرية الفكرية:

• لا يمكن أن تنمو الفلسفة في بيئة يسودها القمع الفكري. تحتاج الفلسفة إلى فضاء من الحرية يُتيح للإنسان التفكير والنقد والتعبير عن الأفكار دون خوف من الاضطهاد أو الرقابة.

• الأمثلة التاريخية: أثينا القديمة التي شهدت عصر سقراط وأفلاطون وأرسطو كانت تتمتع بحرية نسبية في الحوار والنقاش.


2. التعددية الثقافية والانفتاح:

• وجود بيئة منفتحة على الثقافات والحضارات الأخرى يُثري الفكر الفلسفي من خلال التفاعل مع الأفكار الجديدة.

• الفلسفة الإسلامية، على سبيل المثال، ازدهرت عندما تفاعلت مع التراث اليوناني والفارسي والهندي عبر الترجمة والنقاش.


3. التعليم والمعرفة:

• توفر نظام تعليمي متقدم يُشجع التفكير النقدي والتحليلي بدلاً من التلقين، مع التركيز على العلوم الإنسانية والفكرية.

• وجود مراكز للعلم، مثل الأكاديميات أو الجامعات، يسهم في تطوير البحث الفلسفي.


4. استقرار سياسي وأمني:

• الفلسفة تحتاج إلى بيئة مستقرة سياسيًا وأمنيًا لتزدهر. الحروب والاضطرابات تُعيق التفكير الفلسفي الذي يتطلب التأمل والوقت.

• مثال: الفلسفة الإسلامية ازدهرت في العصر العباسي خلال فترات الاستقرار النسبي.


5. الرفاه الاقتصادي:

• حين يتم تأمين الاحتياجات الأساسية للمجتمع (الغذاء، الأمن، الخدمات)، يصبح لدى الأفراد الوقت والطاقة للتفكير في القضايا الكبرى للحياة والوجود.

• المجتمعات التي تعاني من الفقر المدقع تُركز على البقاء، وليس على التفكير المجرد.


6. وجود لغة فلسفية متطورة:

• اللغة أداة الفيلسوف. تحتاج الفلسفة إلى لغة مرنة وغنية بالمصطلحات التي تعبر عن المفاهيم المجردة. تطور اللغة يعكس أيضًا مستوى تقدم الفكر في المجتمع.


7. وجود تساؤلات وجودية وحضارية:

• الفلسفة تزدهر في المجتمعات التي تواجه أسئلة كبرى عن مصيرها، هويتها، وعلاقتها بالعالم. هذه التساؤلات تُثير حاجة ملحة إلى التفكير الفلسفي.


8. تشجيع النقد والجدل:

• الجدل الفلسفي والنقاش الحر يُعتبران من أهم وسائل تطوير الفكر الفلسفي. المجتمعات التي تقبل النقد وتُشجع على التساؤل تُفسح المجال لازدهار الفلسفة.


9. التوجه نحو الكونية:

• الفلسفة لا تزدهر في مجتمعات منغلقة على نفسها، بل تحتاج إلى أفق كوني يبحث عن قضايا إنسانية عامة، مثل العدالة، الحرية، والمعنى.


وكلما تهيئة الظروف الملائمة لنمو وازدهار الفلسفة كلما ازدهرت الحضارة ذاتها وبهذا يمكن القول إن القول إن ثمة علاقة جدلية بين الفلسفة والحضارة فتعين في تبادل التأثير فحيث تزدهر

الثقافة عامة تزدهر الحضارة بالمقابل بل أن الحضارة الحديثة والمعاصرة برمتها هي بنت الفلسفة وربيبتها بالمعنى الحرفي للعلاقة. كتب الفيلسوف(جون ديو ي) ان الفلسفة :" هي قوة تاريخية حاسمة تقتر ن بكل تغير" وفي ذات السياق جاء تأكيد، ‎غابرييلا راموس و إريك فورنيريت، ‎المدير العام المساعدة للعلوم الاجتماعية والإنسانية، باليونسكو بقولها " لعبت الفلسفة دوراً بارزاً عبر الحضارات الإنسانية، تاركة بصماتها على الهياكل الاجتماعية والسياسية واللغات والتبادلات الثقافية. ونتيجة لذلك، يشمل هذا الانضباط جميع التمثيلات المتنوعة التي أعربت عنها المجتمعات البشرية، ويستمر في تغذية دورة التأثيرات المتبادلة بين إحساسنا الجماعي بالأخلاق والقيّم… ويمكن لليونسكو أن تستفيد من الفلسفة والعلوم الإنسانية لتحقيق هذا الهدف المشترك. كيف نريد لمجتمعاتنا أن تتعامل مع تغيُّر المناخ؟ ما الاستفادة التي نريدها من الثورة الرقمية؟ تجبرنا هذه الاتجاهات العالمية على طرح أسئلة فلسفية وأسئلة تتعلق بالقيّم والأخلاق تحتاج إلى إجابة إذا أردنا تحقيق أهدافنا الإنمائية المستدامة والشاملة" ( ينظر، ‎غابرييلا راموس و إريك فورنيريت،

‎الدور الأساسي للفلسفة في تشكيل مستقبل يتسم بالإنسانية: قضية الأخلاقيات في

التكنولوجيا والصحة النفسية 2023م "

وبهذه المعنى يجب إن نفهم إن الفلسفة ليست مجرد معرفة نظرية أو فبركة مفاهيم مجردة كما عرفها جيل دللوز بل هي مشروع حضاري وضرورة حيوية لتجديد وتغيير الصيرورة التاريخية للبشرية ويرى المؤرخ الفرنسي بيار هادو في كتابه "الفلسفة طريقة حياة" الذي ترجمه أيضاً عادل مصطفى، إلى أن الهدف هو إحداث "تحول عميق في طريقة الفرد في الرؤية وفي الوجود". فالمدارس الفلسفية القديمة مثل الأبيقوريين والرواقيين لم تنظر إلى الفلسفة على أنها مجرد تدريس لنظرية مجردة وتفسير لنصوص، بل على أنها "فن العيش" بحكمة وجودة. وكانوا يرون أن المعرفة لا تُطلب لذاتها، بل كقيمة أداتية من أجل شيء أسمى مثل الفضيلة والسعادة في الحياة اليومية"


فيما يشبه التحية لليبيا الأبية🥀


ليبيي الجمال جئت وقلبي


لم يزل في الغرام والشعر حيا


وانفتاح الصباح في أفق شعري


بالأماني يفوح عطرا وريا


فارقصي يانجوم سلواي حولي


واعزفي يالحون شعري مليا


أي شعر أصوغ في حب شعب


عاش كالنيرات حرا أبيا


أن دعاني هواه حلقت أطوي


ذبذبات الزمان والأرض طيا


كل من في الوجود سكرى بعزفي


أي سحر أصوغ مني إليا


ليبيا هواي والكون يدري


كيف يبقى غرامنا ليبيا


كل قلب يفوح بالحب عطرا


حاز تاج الجمال فوق الثريا


جئت مدفوع بالحب شوقا


والأمل في لقاء المحيا


من جنوب الجزيرة حملني


طائر الشوق نورس حضرميا


٢١ اغسطس ٢٠٢٣م