ما لا شك فيه، هو ان إدراج بنك محلي واحد في قائمة العقوبات الدولية أو الأمريكية منها يعني تكريس تشديدات ورقابة واجراءات ثقيلة وبطيئة بالتالي وقت اطول لكل معاملة بنكية او تجارية يمنية تجاه الخارج.
وهنا سيتضح كم أخطأ كثيرون عندما عارضوا خطوات البنك المركزي التي مهما كانت قاسية إلا انها كانت ستنحصر في إطار وطني داخلي ونافذة تحت السيطرة تجاه الخارج تبعد الشبهة الدولية عن النظام المصرفي في اليمن.
ناضلت بنوك يمنية للحيلولة دون أن تمضي إجراءات البنك المركزي لحظتها نحو التنفيذ وهي الآن في ورطة ولن تستطيع أن تفعل شيئا أكثر من الاستسلام للواقع وتحمّل تبعات تصنيف بنك آخر.
ومثلهم فعلت جهات ومنظمات وناشطين يهبون ويرفعون عقيرتهم عندما تفعل الشرعية شيئا وينامون طويلا عندما ينهار الاقتصاد والتعاملات البنكية نتيجة التلاعب والقبضة التعسفية لجماعة الحوثي. وأهم من هذا ما فعلته السعودية بعدم مساندتها اجراءات البنك إذا لم نقل الضغط - خشية او مقابل صفقة مع الحوثي - للتراجع عنها على نحو مهين لجانب الشرعية.
لكن الخطأ الأكبر يظل في رأس الشرعية التي لم تتمكن من الدفاع عن خياراتها وسياساتها الاقتصادية وعن مؤسساتها السيادية.
طبعا في الحديث عن التبعات الثانوية لأي اجراء سواء أكان داخليا او دوليا ينبغي النظر إلى حجم وطبيعة التعاملات والمالية والتجارية في اليمن. وقبل هذا إعطاء صورة واضحة عن البنكنة في البلاد. في البلاد حوالي 24 بنكا ومؤسسة مالية فقط لشعب يقارب تعداده 40 مليون نسمة ( في بلدان مقاربة من حيث السكان نجد في العراق فوق الخمسين مؤسسة وفي المملكة المغربية ما يزيد على 90 مصرفا ومؤسسة).
عمليات البيع والشراء على مستوى التجزئة (بالنقد دون استثناء) والجملة ايضا تجري بالنقد في مجملها. البنوك في اليمن هي وسيلة التعامل الخارجي والتحويلات بدرجة رئيسة. وقد استحوذت محلات وشركات الصرافة على النصيب الأكبر من حجم هذا السوق في عشوائية تسيئ للصورة المصرفية في اليمن وتضع اليمن تحت طائلة الشكوك وتهدد الاقتصاد الوطني بالتلاعب بالعملة.
ما يزال بوسع البنك المركزي تلافي الطامة من خلال اخذ زمام الأمور وفرض أدوات وآليات رقابة والإمساك بقلب المعاملات البنكية في اليمن من خلال العودة إلى إنفاذ إجراءاته التي تجعل منه الضامن الوطني لسلامة الاجراءات والمعاملات المالية وستخفف من صورة البنوك اليمنية في الخارج وتبعد عنها العقوبات الدولية.
كل غيور على صورة البنوك في اليمن وكل من يخشى تبعات التصنيف ان يكون صادقا مع نفسه ويقدم للناس حلولا هي اخف الاضرار سيما إذا جاءت من موسسة البنك المركزي والا يتحرج من دعم الحكومة الشرعية في مسألة كهذا.
التباكي الان لا يعني شيئا اكثر من مجاملة رأس المال بعد ان وقع الفاس على الراس.
الحقيقية التي ينبغي ان نصارح بها رؤوس الاموال هي ان طرح تشديدات محلية (عبد البنك المركزي) ومن ثم رفعها حال الامتثال اسرع بكثير جدا من رفع العقوبات الدولية.
مصطفى ناجي