آخر تحديث :الأحد-26 يناير 2025-08:50ص

الرموز الحضارية بوصفها سمات ثقافية

السبت - 25 يناير 2025 - الساعة 12:13 ص

د. قاسم المحبشي
بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


من وحي ندوة البارحة في معهد التجديد


رمز، إشارة، دال، مدلول، دلالة، بمعنى لمّح أو أشار بالكلام أو الكتابة أو الإيماءة بالعين والشفاه والخد واليد والجسد. جاء في الأمثال الشعبية: رو الحليم النجد والثور العلم! لوّح لمن له قلب حاضر! تكفي الحليم الأشارة! أنا أشير له إلى القمر وهو ينظر إلى أصبعي! مثل صيني ويلخص الكاتب كولن سالتر أهمية العلامات التصويرية في مقدمة كتابه "100 رمز غير العالم" بالقول "تحمل الرموز معاني ومفاهيم تفوق شكلها الظاهر، وحتى الرموز الشائعة التي نصادفها يومياً، تجسد مفاهيم وتوجيهات يأمل مصمموها في أن تصل إلينا من دون الحاجة إلى شرح مفصل"

ولسنا بحاجة إلى التذكير بأن الإنسان كائن رمزي والرمزية هي السمة التي تميزه عن سائر الكائنات الحية فهو الكائن الوحيد الذي يحمل اسم لكي يعرف نفسه وبدون الاسم يستحيل التعريف. إذ يتواصل البشر فيما بينهم مستخدمين حزمة من الرموز المتعددة التي تتباين إلى حد كبير فيما تنقله من معلومات. فكلمة "حب" حينما ينطق بها تعني وجود رابطة حميمة بين كائنين وتعني الألفة والاتحاد والعيش معاً. وأنا أحبك كما يقول هيدجر ليس مجرد تعبير عن ذاتي.. بل هو الوجود يعلن ذاته ويتجاوزها إلى الآخر إنها تعني أن الفرد الموجود يتجاوز انغلاقه طلباً للآخر ويؤسس الحب في الخارج خارج الذات المنعزلة وأنا أحبك هي شمولية الوجود الذي لا يعي نفسه إلا شاملاً إنها الجزئي ظاهرياً والكلي جوهرياً.هذا معناه أن الكلمة ليست تعبيراً عن ذاتها، بل هي حاملاً لمحمول، هي صوت الجسد، هي رمز لشيء موجود، ولكنها ليست الشيء ذاته أبداً بل كما يقول موريس بلانشو، أن الكلمة في اللغات الأصيلة ليست تعبيراً عن شيء بل هي غياب هذا الشيء.. إن الكلمة تخفي الأشياء وتفرض علينا إحساساً بغياب شامل بل بغيابها هي ذاتها، وإذا أمعنا النظر في مملكة الرموز هذه أي اللغة سنكتشف أشياء مثيرة للدهشة بل أن فيها من السحر والإثارة ما يأسر اللب ويلهب الوجدان، فما معنى الكلمات التي نقولها ونعيدها كل لحظة، ما أصل الأسماء وما معناها، من أين جاءت هذه الرموز والإشارات التي نستدل بها عن الأشياء وهل مازالت تعبر عنها بالفعل أم لا؟ أسئلة وقلق كبير ومثير بدأ منذ عقود قليلة يستعر في فضاء الفكر والثقافة الأوربية المعاصرة حول اللغة وأهميتها اذ تنبه عدد كبير من الفلاسفة والمفكرون المعاصرون إلى ما تنطوي عليه هذه البنية الثقافية الشاملة من عناصر وأنساق ودلالات لم تكشف بعد رغم أهميتها الحاسمة وفائدتها العميمة لبناء الإنسان. إذ ظهرت في السنوات الأخيرة فلسفات كاملة وضعت اللغة في صلب اهتمامها منها البنيوية، والأنتروبولوجيا الثقافية، اللغوية في هذا السياق تم بحث الملابسات العميقة للتقابل بين الثقافة الشفاهية والكتابية اذ قام علماء الإنسان وعلماء الاجتماع وعلماء النفس وعلماء اللغة بأبحاث ميدانية من مجتمعات الشفاهية الثقافة وخرجوا بنتائج مذهلة وعلى درجة كبيرة من الأهمية حول نمط العلاقة بين الثقافة الشفاهية والكتابية وخصائص كل منهما. فلا شيء خارج الرموزإذ "إن الحركات المتعددة للجسد خلال التفاعل بين الأفراد (من حركات وإيماءات ووِضعات، ومن مسافة وتنقل…)، هي طقوس متجذرة في البنية العاطفية للأفراد. فهي، كما الكلام المنطوق أو الصمت المتخلل لمحادثة، ليست محايدة البتة أو تتسم باللامبالاة، إذ هي تفصح عن سلوك أخلاقي إزاء العالم، وتمنح للخطاب وللقاء هيئة تزيد من دلالتها" ( ينظر، دافيد لوبروتون - ترجمة: فريد الزاهي، اللغة والرمزية الجسدية في التواصل اليومي ٢٠٢٤) ولما كانت الرموز بكل تنويعاتها اللغوية الشفاهية والكتابية والجسدية ، بكل ما تعنيه من ابعاد ودلالات ثقافية واسعة هي جوهر الثقافة ومعناها العام ذلك لن المحصلة النهائية لـ"الثقافة" ثقافتك وثقافتي وثقافة كل إنسان هي مجموع اشكال ردود الافعال والتفاعل الرمزية التي توجد في نواتنا، والتي نسميها"القدرة على قراءة المعنى، فأننا سنولي عنايتنا لتحليل العلاقة التي يقيمها الناس مع "الرموز"وما تثيره من انفعالات مختلفة فيهم. فالكلمة الواحدة في لغة من اللغات تثير استجابات متنوعة ومتباينة عند الناس حتى وأن كانوا ينتمون الى اللغة ذاتها فقد نتفق على ما يعنيه لفظ "بحر" من الناحية النحوية ولكننا نختلف في معناها الدلالي، وربما اختلف وإياك في التدعيات التي تثيرها هذا اللفظ في ذاتي، فقد تثير لديك مشاعر الرهبة والخوف بسبب خبرة سابقة لك معه، اما انا فالبحر يحفز عندي مشاعر الفرح والهدوء والجمال. الخ. وجميع والإيماءات التي نستخدمها كل لحظة في حياتنا اليومية تنطوي على هذة الخاصية التعددية في اثارة الاستجابات المتنوعة عند اناس ينتمون الى مجتمع واحد.ولما كانت الرموز تختلف في معانيها هذا القدر من الاختلاف فلا يستطع أحد أن يحدد التفسير الصحيح والمعنى الجامع المانع للرمز اللغوي أو الجسدي الحركي، إلا في سياق التفاعل الاجتماعي والحوار الحي والمباشر، حيث لا يعرف احد ما يجب ان تكون عليه تلك الكلمة الاشارة قبل ان نلتقي بها ونواجها ونجربها ونعيدها مرات ومرات حتى نفهم معناها. أن كلمة "فأس" التي كانت ترمز الى الاداة الرئيسية لشعوب العصر الجحري القديمة،من الموكد انها لم تكن تعني فأساً بالمعنى الحديث أو اداة مختصة لقطع الأشجار. هذا يعني انه يستحيل معرفة معاني الكلمات حينما تنتزعها من سياقاتها الثقافية الاجتماعية المحلية أو القومية.كما يعني ايضا انه لا توجد معانٍ ثابتة وكاملة ومطلقة للرموز في كل زمان ومكان. لكن هناك نمط من الأشخاص غير قادر على معرفة هذة الحقائق البديهية، حيث تكتسب الكلمات لديهم معاني محددة سلفاً وثابتة، وتجدهم يطابقون بين الكلمة والشي الذي يعتقدون انها تدل عليه، يطابون بين الدال والمدلول، بين اللفظ والواقع الذي قد منحوه في وقت سابق من تاريخهم جل احترامهم أو تقديسهم أو نفورهم، ومن ثم تجدهم اكثر هياجاً عندما يتم ذكر هذا اللفظ بقليل من الاحترام أو النقد، أو الحديث عن اللفظ الذي كان يثير ردود فعل ساخطة عندهم، بشي من الاحترام.

تداعت هذه الأفكار إلى ذهني وانا اقرأ موضوع ندوة وحدة الدراسات اللغوية والادبية في المعهد العالمي للتجديد العربي قبل ثلاثة أيام بعنوان( الرّموز الحضاريّة والتّأثير في الآخر:(مقاربة حضاريّة ) التي عقدت البارحة وحرصت على حضورها معشما نفسي بوجة فكرية ثقافية دسمة في هذا الشتاء القارص عند موضوع الرموز الحضارية ووظيفتها وتأثرها وتاثيرها وهو موضوع شديد الصلة بتخصصي في فلسفة التاريخ والحضارة وقد سبق وأن قرأت ما كتبه شبنجلر عن الرموز الحضارية بوصفها سمات تتميز بها الحضارات إذ اشار أشار الفيلسوف الألماني أوزوالد شبنجلر في كتابه “سقوط الحضارة الغربية” إلى أن لكل حضارة سمات وخصائص فريدة تعبر عن روحها (أو “نفسها الحضارية”). من بين هذه السمات، تناول شبنجلر مفهوم الألوان كعنصر رمزي يعكس الروح العميقة للحضارة فالحضارة المصرية القديمة؛ اتسمت بتقديس اللون الأخضر (رمز الحياة والنماء) والأصفر (يرتبط بالشمس والخلود) والحضارة الإغريقية-الرومانية ركزت على الألوان الواضحة والبسيطة مثل الأبيض، الذي يرمز إلى النقاء والتوازن، مما يعكس طبيعة حضارتهم الكلاسيكية الموجهة نحو الجمال والتناسق والحضارة الغربية الحديثة؛ تميزت بالطبيعة “الفاوستية” (نسبة إلى أسطورة فاوست)، ما يجعل الألوان فيها تعكس روح الامتداد والتوسع. لذلك، ترتبط الألوان في هذه الحضارة بالمفاهيم الديناميكية والعمق، مثل التركيز على الأزرق (رمز اللانهاية) والرمادي (الدلالة على العمق والتعقيد) والحضارة الإسلامية: في فهم شبنجلر، تتميز بروح “المغلق” أو المحدود، حيث الألوان الزاهية مثل الأخضر والذهبي ترتبط بالعالم الروحي والقدسية وهكذا نفهم رمزية الالوان عند شبنجلر إذ ليست مجرد أداة فنية، بل تحمل دلالات عميقة ترتبط بالجوهر الروحي والفلسفي لكل حضارة. وحينما نتأمل في تاريخ الحضارات نلاحظ إن كل حضارة تميزت بمجموعة من الرموز الطوطمية المقدسة كالتنين الصيني الذي كتب فيه مقالا مطولا بعنوان ( التنين الرمز والمعنى) أو اليانج واليان رمزية الذكورة والأنوثة التي اكتسبت صيغة أخرى في الحضارة اليونانية حيث يعبر الرمح والدرع (♂) عن ألهة الحرب الإغريقي مارس (كوكب المريخ) ورمز الأنثى (♀) يعبر عن المرآة اليدوية لألهة الحب والجمال فينوس (كوكب الزهرة) وفي الحضارة الرافدية القديمة يمكننا التعرف على رموزها الخالدة بالثور الآشوري المجنح أو الأسد البابلي أو مسلة حومورابي أو نجمة داود السداسية بشكلها المستعمل بعلم إسرائيل(✡) وتسمى أيضا بخاتم سليمان وتسمى بالعبرية ماجين داڤيد بمعنى "درع داود" وتعتبر من أهم رموز الشعب اليهودي في حين أن هناك أدلة تاريخة تشير إلى أن هذا الرمز تم استعماله في الحضارة الرافدية القديمة وكانت تسمى ( نجمة عشتار) كما استخدمه الهندوس من ضمن الأشكال الهندسية التي استعملوها للتعبير عن الكون الميتافيزيقيا وكانوا يطلقون على هذه الرموز تسمية ماندالا Mandala وهناك البعض ممن يعتقد أن نجمة داود أصبحت رمزا للشعب اليهودي في القرون الوسطى و لكن تم استخدامها فعليا من قبل اليهود في القرن الثانى عشر ميلاديا، وإن هذا الرمز حديث مقارنة بالشمعدان السباعي الذي يعتبر من أقدم رموز بني إسرائيل. كما استعملها المسلمون في إمارة قرمان كعلم لهم. ويعد الصليب المعقوف Svastika على سبيل المثال من أكثر الرموز حضورا في الحضارات الإنسانيَّة الشرقيَّة والغربيَّة، حيث يرمز إلى الحياة والسعادة في الحضارات الشرقيَّة في الصين والهند واليونان، " وفي حوض البحر الأبيض المتوسط. وقد شكَّل الصليب المعقوف رمزا من رموز الديانة البرهمانيَّة في الشرق ويرمز إلى الإله الخالق براهما، فالصليب المعقوف لليمين يشير إلى تطور الكون، والمعقوف لليسار إلى تقهقره. أما الصليب الموجه في الجهات الأربع شمال وجنوب وشرق وغرب فيرمز للثبات والخلود. كما يمثِّل الصليب المعقوف أشعَّة الشمس التي لا يمكن للحياة أن تكون من غيرهاوفي الطبّ يمكن الإشارة إلى عصا اسكليبيوس، وهي رمز يوناني قديم متعلِّق بعلم التنجيم وبشفاء المرضى في الطب. يتألَّف الرمز من أفعى ملتفَّة حول عصا. وتتَّضح معالم هذا الرمز في الميثولوجيا الإغريقيَّة، حيث كان اسكليبيوس ابن الإله آب وكان اختصاصه التطبيب والشفاء من الأمراض. كما أن العصا يرمز إلى مجموعة نجوم تسمى “أوفيكوس” Ophiuchus وهي الرمز الثالث عشر في الأبراج التي تعتمد على زمن النجوم إنجليزيَّةSidereal astrology وبخاصَّة الأبراج الهنديَّة.فالأفعى في الرمز تشير إلى التجدّد الدائم وذلك لأنها عادة تتخلّص من جلدها القديم بآخر جديد موسميا، وهذا يعني الولادة من جديد والإنجاب. بينما ترمز العصا إلى السلطة والسطوة والقوَّة وهي ترمز إلى قوَّة إله الحكمة آب"( ينظر ، علي أسعد وطفة، الرمز؛ الكينونة الرمزيَّة للثقافة ، مدارات ثقافية، ٢٠٢٤) وفي الطبّ يمكن الإشارة إلى عصا اسكليبيوس، وهي رمز يوناني قديم متعلِّق بعلم التنجيم وبشفاء المرضى في الطب. يتألَّف الرمز من أفعى ملتفَّة حول عصا. وتتَّضح معالم هذا الرمز في الميثولوجيا الإغريقيَّة، حيث كان اسكليبيوس ابن الإله آب وكان اختصاصه التطبيب والشفاء من الأمراض. كما أن العصا يرمز إلى مجموعة نجوم تسمى “أوفيكوس” Ophiuchus وهي الرمز الثالث عشر في الأبراج التي تعتمد على زمن النجوم إنجليزيَّةSidereal astrology وبخاصَّة الأبراج الهنديَّة. فالأفعى في الرمز تشير إلى التجدّد الدائم وذلك لأنها عادة تتخلّص من جلدها القديم بآخر جديد موسميا، وهذا يعني الولادة من جديد والإنجاب. بينما ترمز العصا إلى السلطة والسطوة والقوَّة وهي ترمز إلى قوَّة إله الحكمة آب) فعلى صعيد القيم الأخلاقية لاحظنا إن لدى كل ثقافة مجموعة من الرموز التي تدل على الشرف والعزة والرفعة والكرامة ومنها ماء الوجه قيمة مشتركة في جميع الثقافات وهناك جملة من الحكم والأمثال التي تختزنها ذاكرة الشعوب للتعبير عن الوجه الجاف الذي فقد الحياء والوجه الشريف الذي يستحي من يعرفها يكتبها في تعليق. أنا قراتها في سياق بحثي في صراع الإنسان من أجل الاعتراف تلك الرغبة الثاوية في اعماق الذات البشرية المتصلة بحفظ ماء الوجه والعيش بكرامة وستر الحال وما افدح كشف الجلال بحسب تعبير أهل البادية. نظرية تفاوض الوجه هي نظرية وضعتها ستيلا تينغ تومي Ting-Toomey في عام 1985 ، لفهم كيف يدير الناس على اختلاف ثقافاتهم كلا من علاقاتهم وخلافاتهم . افترضت النظرية أن "الوجه" ، أو الصورة الذاتية للإنسان تعتبر شيئا محوريا عند التواصل مع الآخرين وهذه الظاهرة عالمية ومنتشرة في الثقافات المتعددة. ففي النزاعات على سبيل المثال، يعتبر وجه المرء مهدد ؛ وبالتالي يميل الشخص إما لحفظ أو استعادة ماء وجهه. هذه المجموعة من السلوكيات التواصلية، وفقًا للنظرية، تسمى "عمل الوجه". تختلف نوعية تلك السلوكيات من شخص لآخر ومن ثقافة لأخرى لأن الأشخاص هم الذين يضعون المعنى المحدد لكلمة "وجه" وكذلك طريقة تفاعلات ذلك "الوجه"، فإن هذه النظرية تشكل إطارًا ثقافيًا عامًا لدراسة مفاوضات الوجوه. من المهم أن نلاحظ أن تعريف الوجه يختلف باختلاف الناس وثقافتهم ويمكن قول الشيء نفسه بالنسبة لإتقان عمل الوجه. فمتى يراق ما الوجه؟ وما هي المواقف التي تستدعي إراقته؟ «ليس المهم أن نرى بل الأهم أن نبصر فيما نراه». والوجه ليس مجرد الجبهة والأنف والفم والعينين والوجنتين بل هوبصمة الشخصية ورمزها العلني وأكثر الملامح مجلبة للانتباه. وكما يقول ليفناس: «دلالة الوجه تكمن في البعد الجديد الذي يفتحه في إدراك الوجود»، والمقصود أننا نحن موضوع الإدراك بحكم الاختلافات في الوجه والتي تعطينا كيفيات تميزنا. يتميز الوجه بمجموعة من الخصائص مثل النقاء الأصلي والمقاومة اللامتناهية والخارجية الجذرية، فالتجلي كوجه ليس انكشافا لعالم باطني بل خارجية الوجه هي هنا ما لا يمكن إخفاؤه والاضطلاع به وتحملها، إنها من الآن فصاعداً تقدم نحو اللاَّنهائي والبرانية الجذرية، فالآخر ليس له أن يعبر ويظهر إلا عن طريق وجهه، والوجه هو بالتحديد هذا الظهور الاستثنائي للذات بذاتها. تجلي وجه الأنا للآخر هوزيارة الآخر عن طريق وجهه المختلف وبالتالي يفتح الوجه نوافذ الذات للزائرين ويسمح لها بزيارة الآخرين عبر وجوههم وهكذا يدخل الوجه إلى عالمنا عبر حقل غريب والإنسان الغريب يأتي إلينا من الخارج منفصلاً عبر وجهه المتجلي. ويعترف ليفناس أن: "دلالة الوجه في تجرده هو في معناه اللغوي خارق للعادة وخارج كل نظام وخارج كل عادة» وحينما تتقابل الوجوه تتعين العلاقة بين الذات والآخر الوجه الذي يمثل مرآة عاكسة لحقيقة الأنا وكينونتها، والآخر مرآت الذات وقد كانت ولازالت العيون مرايا وجه الكائن.


وهكذا هي أهمية الرموز الحضارية والثقافية التي صارت اليوم محورا لعدد لا يحصى من التخصصات العلمية والثقافية ( الأنثروبولوجية والفلسفة واللسانيات والسيمياء وعلم الاجتماع الرمزي وعلم الاديان وعلم النفس والدراسات الثقافية والنقد الثقافي .الخ) وهذا ما كنت اتوقعه من ندوة البارحة المكرسة لبحث ( الرموز الحضارية المقارنة) ولكنها انصرفت للبحث قراءة التّأثير العربيّ الإسلاميّ في الفكر الغربيّ من خلال محاضرة أولى بعنوان" الحضارة االعربيّة الإسلاميّة وأثرها في تكوين الفكر الأوروبّي" محاولين الوقوف على دور الرّموز الحضاريّة في نحت مشهديْ الهويّة والمثاقفة من خلال محاضرة ثانية بعنوان "مدينة القدس وقراها في القرن السّادس عشر الميلادي". وستتوّج النّدوة بتعقيب يُسائل النصّ وينشر صداه : لِمَ أبدع العرب المسلمون قديما وتأخّروا اليوم ؟ إلى أيّ مدى يمكن للمتون الحضاريّة أن تكون دافعا إلى التّجديد والإنجاز تأثيرا في الرّاهن ومجاوزة له؟ المشرف على النّدوة : د. زاهر حنني ، رئيس وحدة الدّراسات اللّغويّة والأدبيّة. مديرة النّدوة : أ.ريم الماجري، مقرّرة الوحدة المحاضران :د.محمود الحسينات د.محمّد يعقوب المساعدة. المعقّب : د. علي الشّبول.

ورغم أنني لم اجد فيها ما كنت أتوقعها منها فقد كان لها الفضل في تحفيز ذاكرتي فيما يشبه العصف الذهني لاعادة التفكير في أهمية الرموز

الحضارية كتب ميشل فوكو في الكلمات والاشياء "” إن المسافة الكبيرة بين ما تظهره الرموز وما تحجبه وما تومئ إليه وما تستره ، هو ما يجعل عمليَّة التأويل ممكنة وتلك المسافة وما تتطلّبه من عنت وجهد ومن شكٍّ وتساؤل هي التي ترفع القراءة إلى مرتبة تجعلها فناً من الفنون"


ختاما نذكر بان الرموز والرمزية صارت من المجالات العميقة التي تربط بين الفلسفة، الأنثروبولوجيا، علم الاجتماع، علم النفس، وعلم اللاهوت. تهدف إلى دراسة المعاني والدلالات التي تحملها الرموز في مختلف الثقافات والحضارات، وتأثيرها على التفكير والسلوك البشري. وقد تراكمت سلسلة من المصادر والمراجع التي تُعد أساسية في دراسة فلسفة الرموز منها ؛ كتاب الفيلسوف الإلماني أرنست كاسيرر “فلسفة الأشكال الرمزية” حيث يرى أن الإنسان كائن رمزي يتوسط عالمه من خلال اللغة، الفن، الدين، والعلم وبول ريكور وكتابه الصراع بين التأويلات” يناقش أهمية الرموز والتأويل في فهم النصوص والمعاني وكتاب: “الرمز والخيال” الذي يركز على دور الرموز في الدين والأخلاق وكلود ليفي-ستروس وكتابه المهم “البنية الأولية للقرابة” وكتب الأنثروبولوجي الفرنسي ميرسيا إلياده ومنها “المقدس والدنيوي” الذي يدرس الرموز الدينية وتأثيرها على تصور الإنسان للواقع وكتاب “الأسطورة والواقع” يناقش الرموز في سياق الأساطير ودورها في تشكيل الهوية الثقافية وكتب رينيه جينون منها؛ كتابه “رمزية الصليب وكتب الرموز وعلم النفس وأهمها لكارل يونغ وكتابه المهم “الإنسان ورموزه” (Man and His Symbols) وكتاب: “الطبيعة النفسية والرموزية يناقش الرمزية في علم النفس التحليلي. وكتب سيغموند فرويد ومنها كتابه الشهير “تفسير الأحلام” يركز على الرموز في الأحلام وعلاقتها بالرغبات المكبوتة. وكتب أريك فروم الأحلام واللغة المنسية والالهروب من الحرية والإنسان بين الجوهر والمظهر وهناك كتب في الرموز والفن للمكر الأسباني أومبرتو إيكو منها كتابه "نظرية السيميائيات” يربط بين السيميائيات (علم العلامات) وفلسفة الرموز وكتاب“دلالة الفن” الذي يتناول الرموز في العمل الفني والتأويلات المختلفة لها وسوزان لانجر وكتابه الفكر والشكل الذي يناقش فيه الرموز في الفنون الجميلة والموسيقى. وما كتبه جان شوفاليه وألان جيربرانت الذي ألفا معجم شامل يقدم شرحًا للرموز في مختلف الثقافات.