كسبنا محللين سياسيين في اليمن بالمئات لكننا خسرنا القادة بعد أن أصبح الجميع مهتمين بتحليل الأوضاع، بينما يفترض أن قيادات الصف الأول غير معنيين بالانخراط في وظيفة التحليل السياسي للأحداث ولا ينبغي عليهم الانشغال بمراقبة التحولات بمزاج المتفرج، لأن هذه ليست مهمتهم، ولأن الاكتفاء بتوصيف الصراع كما يفعل أي صحفي دون تقديم مبادرات أو حلول نوع من الأداء البائس الذي لا يقدم ولا يؤخر.
ومن السخف أن يتحول السياسي إلى محلل يسترزق من توصيف الأوضاع في بلده ويظهر في وسائل الإعلام باعتباره مجرد خبير في المأساة، بدلاً من أن يكون مساهماً بفاعلية في طرح الحلول والمبادرات التي تحرك المياه الراكدة.
من المهم كذلك تنبيه المحسوبين على السلك الدبلوماسي الذين على رأس أعمالهم بالتوقف عن القيام بمهمة التحليل التي أعجبتهم واستعبدتهم وعطلت لديهم روح المبادرة بقدر ما دفعتهم إلى تلبية رغبة الوسيلة التي تستضيفهم للكتابة أو للثرثرة.
إذا استمر الحال على هذه الوتيرة فلن نتحرك في اليمن خطوة واحدة إلى الأمام، بل سنظل نتحرك إلى "الإمام" بلهجة وصوت عبد ربه منصور هادي.
الأحداث لا يصنعها محلل ثرثار كما أنها لا تصنع نفسها بعفوية، بل يصنعها الإنسان خطوة إثر خطوة بعد تحديد الهدف. على القادة المحسوبين على الصف الأول أن يتوقفوا فوراً عن مراقبة المشهد بمزاج المستشرق والمبعوث الدولي، وعليهم أن يكفوا عن تحليل المشهد وعن وصف ما جرى، لينتقلوا إلى الحديث حول ما ينبغي أن يحدث، وأن يكونوا مساهمين في صياغته وبناء التحرك الذي يعيد الأمل للمجتمع ويمنح الناس حقهم الطبيعي في العيش مثل بقية شعوب العالم داخل وطنهم، وفي ظل دولة حديثة تحمي مصالح وحقوق جميع أبنائها.