الفردية هي واحدة من أعظم إنجازات الحداثة، لأنها ببساطة تعني أن لك قيمتك ووجودك الخاص، بعيدًا عن العائلة، الطائفة، القبيلة، أو أي انتماء آخر. أن تفكر بحرية، تختار مصيرك، وتعيش كما تريد، دون أن يُفرض عليك طريق لا تؤمن به.
في المجتمعات الفردية، الدولة ليست وصية على الناس، بل دورها تأمين الخدمات وضمان الحقوق، لا التحكم في حياة الأفراد أو فرض أنماط معينة عليهم. أما في مجتمعاتنا، فالفرد لم يولد بعد، لأننا لا نزال في “عصر القطيع”، حيث لا يُنظر إليك ككيان مستقل، بل كجزء من جماعة تحدد قيمتك وتتحكم في خياراتك.
خذ الزواج مثالًا، في مجتمعاتنا هو قرار تملكه الأسرة، وما الزوجان إلا منفذان لإرادة العائلة والطائفة، لا لرغباتهما. خذ المهنة مثالًا آخر، فأنت لا تختار ما تحب، بل ما لا يهدد وضعك الاجتماعي أو يجعلك منبوذًا من مجتمعك.
لكن في المجتمعات الأحدث، حتى داخل الأسرة، لا أحد يملك الحق المطلق في التحكم في حياة الآخر. لا الأب في أبنائه، ولا الزوج في زوجته. لكل فرد حقه في اتخاذ قراراته وتحمل نتائجها.
أن تكون فردًا يعني أن قيمتك نابعة منك، لا من خضوعك لأي سلطة أو انتماء. أن تكون أنت، لا ما يريده الآخرون.