آخر تحديث :الأربعاء-12 مارس 2025-04:42ص

تكفير من يرفض تسليم الزكاة للحوثيين

الأربعاء - 12 مارس 2025 - الساعة 03:32 ص

همدان العليي
بقلم: همدان العليي
- ارشيف الكاتب


يرى الحوثيون أنَّهُم المعنيون بجمع أموال الضرائب والزكاة وليس الدولة، لأنَّ معتقدهم الديني يجعل سلالتهم الأَوْلى بحُكم اليمنيين وامتلاك رقابهم وأموالهم. وهذا ما شدَّد عليه إمامهم وواحد من أهم مراجعهم الدينية عبد الله بن حمزة في مجموع رسائله، حيث قال بأنَّ «صدقة الحبوب والتمر والزبيب يجب صرفها إلى الإمام، وكذلك واجبات المواشي، وعلم ذلك من دين النبي (صلوات الله عليه وسلامه) ضرورة أنَّ الواجب صرفه إليه (عليه الصلاة والسلام)، وأنَّ ما كان له في أيامه، كان للإمام القائم مقامة من بعده؛ لأنَّ الله تعالى جمع لنبيِّنا الإمامة مع النبوة، ولم يكُنْ ذلك لأكثر الأنبياء، وإنَّما كان لهُم النبوة دون الإمامة، وقد ثبت بأنَّ أكثر هؤلاء المعتقدين لإمامة صاحب بغداد لا يحملون إليه الحقوق، وبعض الناس لا يراه أهلًا لذلك، فإذا لم يُسلِّمها إلينا استحلالًا لتأخيرها، كان كافرًا بذلك، وإنَّما أردنا نُبيِّن لك تأكيد الأدلة وتظاهرها على كُفْر الأكثر من الأمة بالبرهان الجلي، فتأمَّل ذلك بعين الفكرة لتنجو من الحيرة والحسرة، فأكثر الخلق إنَّما أتى من إهمال النظر وجهل الأثر، والاعتراض على الأئمة والعلماء، ودعواهم لأنفسهم مع رفض أصول العلم».

يخاطب عبد الله بن حمزة عامة المسلمين بمَن فيهم السُنَّة الذين يعتقدون بإمامة الخليفة العباسي أحمد المستضيء بالله في بغداد، ويطالبهم بتسليم الزكاة له، ومَن يرفض ذلك يُعتبَر كافرًا. وبناءً على هذا التأصيل، يرى الأئمة ومن بعدهم الحوثيون بأنَّ اليمني الذي لا يُقدِّم الزكاة لهُم يُعتبَر كافرًا، لكنَّهُم اليوم لا يقولون ذلك علنًا، بل يُغلِّفون المسألة بالقانون. فمَن يرفض تسليم الزكاة لهُم يُعتبَر مخالفًا للقانون وخائنًا وعميلًا، وهُم في ذات الوقت لا يمكن أن ينكروا فتوى التكفير الصادرة عن عبد الله بن حمزة.

وقد سُئل ابن حمزة عن جمع الضرائب والزكاة وإكراه الناس على دفع أكثر من المطلوب في الزكاة والضرائب، فقال السائل: «ما الحُجَّة على جواز أخذ الضرائب، والقبالات في الأسواق والجلائب، وأهل التجارات والصناعات، وإكراه أهل الزرایع وسائر الأموال على أخذ أكثر من الزكاة عمومًا من سُنَّة النبي أو سِيَر الأئمة؟ قلت: ويبالغ الإمام في ذلك، فالمعترض يقول: الآيات الموجودة محمولة على الزكاة، والزائد مندوب إليه من غير إكراه، وقال المعترض: إنَّ النبي لا لم يُكره أحدًا من الصحابة على أزيد من الزكاة مع شِدَّة الحاجة إلى ذلك، وكثرة أموال بعضهم، وقد روى عنه صلى الله عليه وآله السلف؟».

فيجيب: «إنَّ جواب هذه المسألة على تنوُّعها وتفرُّعها ينبني على أنَّهُ هل يجوز للإمام أن يأخذ من الأموال ما يسد به الثغور، ويصلح به الأمور من أحوال الجمهور أم لا؟ فإن كان ذلك يجوز لم يبق للسؤال وجه، وإن كان لا يجوز فحكمه باقٍ، والسؤال قائم الحكم، وقوله: إنَّ للنبي وللإمام من بعده التصرُّف في أموال المسلمين ونفوسهم بما يؤدِّيه إليه النظر في مصالحهم وعليه الاجتهاد وعلى الله التوفيق، فما أدَّاه اجتهاده إليه جاز له أخذه لمصلحة الدِّين، وما لم ينظر لأخذه صلاح فهو لا يأخذه لارتفاعه عن درجة المتهمين، ومُتَّهِمُهُ في ذلك لا يُكتب في سِجِل الصالحين عند جميع المسلمين.

فنقول وبالله التوفيق: إنَّ رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم كتب الكتاب يوم الخندق لعيينة بن حصن ومَن تابعه من غطفان بثلث تَمْر المدينة من غير مشورة الأوس والخزرج رحمة الله عليهم أجمعين، فوصل إليه السعدان: سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ في آخرين، فقالوا: يا رسول الله أأمْرٌ من الله أمرك به فلا يجوز لنا تَرْكه، أم نظر نظرتُه لنا؟ فقال: «بل نظر لكم. فقالوا: يا رسول الله والله لقد كُنَّا على عبادة الأوثان فما طمعوا بتمرة من تمرها إلَّا أن يكون قرى أو شراء، فكيف وقد أعزنا الله بالإسلام وبك يا رسول الله. فأعطاهم الكتاب مزَّقوه. وهذا الخبر لم تختلف الأمة في صحته، وهو دليل واضح على أنَّ لولي الأمر أن يأخذ الأموال بغير مراضاة من أربابها لمصالح الأمة، ووجه الاستدلال بالخبر أنَّ رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم هَمَّ بذلك وأراد إمضاءه إلى أن عرّفه القوم قوتهم ومنعتهم، وكان امتناعه لأجل ذلك لا لأنَّهُ لا يجوز؛ لأنَّهُ صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم لا يهم ولا يريد لعصمته إلَّا بالجائز دون المحظور، فإذا جاز ذلك لرسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم فهو جائز للإمام من بعدئذ، لا أحد فصل حكم الإمام في التصرُّف عن حكم النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم إلَّا فيما خصَّه الله من النبوة».

هذه الفتاوى الإمامية تُفسِّر جمع الحوثيين للزكاة والضرائب من سكان بعض القرى والمديريات التي كانوا مهيمنين عليها خلال العقود الماضية في صعدة وقبل سيطرتهم على المدينة في 2011م بفترة طويلة، كونهم لا يعترفون بالدولة التي في صنعاء، فالرئيس المنتخب ليس من السلالة التي تدعي حقا إلهيا في الحكم، كما إنَّها تُفسِّر مضاعفة الحوثيين لرسوم الضرائب والزكاة والجمارك والخدمات الأخرى وإجبار الناس على تسلميها بالقوة بعدما سطوا على مؤسسات الدولة في عواصم المحافظات.


‎#موسم_النهب_الحوثي