ما أن تشتد الأمور قليلاً على الكهنوتية ويضيق الخناق على أعناقهم، أو يتم نبذ السلالية وحصرهم في زاوية ضيقة، أو يتم استذكار الثورات اليمنية المجيدة الخالدة، أو يُعاني الدخلاء من لفحة حرارة أشعة سبأ وحِميّر الحارقة الكاشفة؛ حتى يخرج أبناء الكهنوتية السلالية من ذوي الأدوار المتعددة بـ سِّمْفُونِيَّهم المعتادة المتمثلة بأن "آباءنا كانوا بمقدمة صفوف الثورات اليمنية"، ويستدلون بقوائم "أسماء الثوار" التي تم سردها في مؤلفاتهم!. ومن المفارقات العجيبة، أنه وصل الحال ببعض أبناء السلالية ممن نشروا قبل سنوات بسيطة، وهم في حالة نشوة ساهمت برفع سترة التقيَّة، عن فضلهم الكبير وتعاونهم الجم على إدخال الكهنوتية السلالية إلى العاصمة السياسية ومختلف المناطق، وتذليل كافة الصعوبات والعقبات لتمكينهم من السيطرة على المؤسسات المدنية والعسكرية، وأن الجماعة الظلامية دون ذلك التعاون لا تُمثل شيء؛ وبعد أن بدأت النشوة بالتلاشي تدريجيًا، وعادت سترة التقيَّة لسيرتها الأولى، عادوا مجددًا اليوم إلى نشر صور آبائهم بالأزياء العسكرية الجمهورية ظاهرياً والكهنوتية باطنياً تحت شعار "آباؤنا كانوا بمقدمة صفوف الثورات اليمنية"!.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن انتزاع الأحداث التاريخية من سياقاتها الزمنية والمكانية وعواملها المحيطة؛ إلا أن السلالية حاولت بتر تلك الأحداث من سياقاتها؛ لرسم صورة ضبابية بأنهم شاركوا في الثورات اليمنية، ووضع غشاوة أمام عيون البعض بغرض تشويش رؤية تلك السياقات!. واقعيًا، وفي سياق ثورات الحركات الوطنية السابقة، كان كل شيء بأيدي الكهنوتية السلالية وأدواتها، ابتداءً من مفاصل السلطة إلى الثروة إلى القوة الصلبة إلى البعثات الخارجية إلى إدارة النقابات الطلابية إلى القضاء إلى التعليم والتأليف وغيره، ويكفي القارئ الحصيف الاطلاع فقط على كشف أسماء الدفعة الأولى من طلبة الكلية الحربية "المتوكلية" لعام ١٩٥٨م، وسيجد أن ٢٣ من أصل ٣٩ ضابط كانوا من الكهنوتية السلالية، وأن معظم بقية الأسماء القليلة كانت من المناطق المصابة بداء مذهب أئمة السلالية، وحتى "بعثة الأربعين" كانت مختارة بعناية سواءً من أبناء السلالية، أو المناطق الجغرافية الموالية لهم، أو من دار رعاية الأيتام بهدف تأمين الجوانب الإدارية الناجم من تخوف الصراع البيني بين السلالية!. وبالتالي، ذلك يُدلل أن عملية التعامل مع بعض أفراد الكهنوتية السلالية من قبل أبطال الحركات الثورية الوطنية كان أمرًا إجباريًا لا اختياريًا، ولا يمكن القياس عليه أو مقارنته بأي حال مع الوضع في وقتنا الراهن!.
وعند العودة إلى معظم أسماء ما يسمى بـ "ثوار السلالية" التي وردت على أنهم شاركوا في الثورات اليمنية، ستجد أنها كانت تمثل الأيدي الخفية التي لعبت دور إجهاض الثورات الوطنية السابقة، بل انهم كانوا أما من المستفيدين أو المتبرعين لصندوق السلالية السري الذي تم تأسيسه بمعونة الإمام البغيض؛ وذلك للتخلص من أحرار القِوَى الوطنية المناوئة للكهنوتية السلالية، إضافة إلى أنه عند أول اختبار حقيقي، انضم أولئك مع صف الإمامية البغيضة ضد الجمهورية وضد أهداف الحركات الوطنية!.
ثم أن المدقق لتاريخ ثورات الحركات الوطنية، والفاحص لما تعرض له الأحرار الأبطال، والمتأمل في الأدوار التي اضطلعت به أفراد الكهنوتية السلالية التي تظاهرت بالثورية وسُميت جزافًا بـ "الثوار"؛ سيجد أن أدوارها وفقًا لتسلسل أحداث التاريخي المعاصر، اقتصر على ما يلي: دور نقل السلطة من سلالي إلى سلالي آخر، ودور تثبيط حركة الأحرار لعدم الحسم وخلط الأوراق، ودور السيطرة على البعثات الطلابية وتوظيفها لمصلحة السلالية، ودور تشويه قادة الحركات الوطنية، ودور التقليل من شأن نضالات الأحرار الوطنيين، ودور استمالة الأدباء والمثقفين اليمنيين وكسب ثقتهم للعمل مع السلالية، ودور المُخترقين واختيار المنقذين للسلالية (لا المخلّصين منها)، ودور إفراغ الساحة الوطنية من الأحرار، ودور إيجاد التكتل الثالث، ودور تصغير الإشكالية وحصرها في أسرة سلالية واحدة، ودور ادعاء المساهمة بالثورة عند نجاحها والشماتة بالأحرار عند فشلها، ودور تخدير الشعب وتسكين آلامه، ودور نفخ أبناء القبائل اليمنية بأداة أمجاد الفتوحات، ودور معول الهدم والتفرقة والفتنة، ودور جمع المعلومات والوشاية لإجهاض أي عمل وطني، وتبادل الأدوار وصناعة التيارات والتكتلات لإضعاف وحرف مسارات النضال الوطني، ودور تقسيم أبناء اليمن وتفرقتهم طائفيًا بطرق مباشرة أو غير مباشرة، وغيرها من الأدوار السلالية البشعة!. (وكثير من تلك الأدوار يمكن إسقاطها كذلك على المصابين بداء مذهب أئمة السلالية)
ولشرح سلسلة أدوار "ثوار السلالية" الواردة أعلاه، فإن مشاركة "ثوار السلالية" في سنة ١٩٤٨م كان الهدف منها تفعيل دور نقل الحكم من سلالي إلى سلالي آخر، بينما مساهمة "ثوار الكهنوتية" في سنة ١٩٥٥م عمل على تثبيط حركة الأحرار لعدم الحسم وخلط الأوراق والاكتفاء بالتنازل البيني عن السلطة بين السلالية "من اليد اليمنى إلى اليسرى بين السلالية"، التي نتج عنها عدم التخلص من الطاغية وإزهاق أرواح أبناء اليمن الأحرار!. وفي خمسينيات القرن المنصرم، لعب "ثوار السلالية" دور السيطرة على البعثات الطلابية لتوظيفها لمصلحة كهنة الآل بواسطة تحشيد وتعيين بعضهم في مواقع ليكونوا لاحقًا يداً لـ "الحسن" ضد الإمام البغيض "أحمد وأبنه البدر"!. ولاحقًا، عمل "ثوار السلالية" بدور تشويه قادة الحركات الوطنية بواسطة مؤلفاتها المضللة التي تهدف إلى التقليل من جهود نضالات الأحرار اليمنيين وتشويه أهدافها في أذهان العامة!. وكذلك في خمسينات القرن المنصرم، كّرس "ثوار السلالية" جهدهم في دور استمالة الأدباء والمثقفين وكسب ثقتهم للعمل معهم، بحيث يكونوا جلساء وناصحين لولي العهد المنتظر، الذي بدوره تغّير عليهم خلال ساعات من وصوله للعرش، ونقض كافة الوعود، وتبخرت كافة التعهدات والتفاهمات بلحظات!.
وفي بداية ساعات قيام ثورة الجمهورية الأولى ١٩٦٢م اشتغل "ثوار السلالية" بدور المُخترق واختيار المنقذين (لا المُخلّصين)، حيث تقلص عدد المنفذين للتخلص من الإمام الجديد من شخصين إلى شخص، وشبكت بندقية المٌنفذ وتعثرت رصاصتها بقدرة قادر (ونَجَا المنفذ!)؛ علمًا أن تعثر تلك الرصاصة أنقذت الإمام البغيض ذو الستة أيام، وأدخلت اليمن في صراع دامي دام لعقد كامل من الزمن!. إضافة لذلك، عند أول اختبار حقيقي متمثل بالصراع ما بين الإمامية والجمهورية، وقف ما يسمى بـ "الثوار السلاليين" ممن التحقوا بالحركات الوطنية، وبعضهم ممن سجنوا في "سجن حجة"، مع صف الإمامية ضد الجمهورية، وعملوا بدور إفراغ الساحة الوطنية من الأحرار، عبر تقديم العروض وإغرائهم لترك الساحة الوطنية، وذلك أثناء لقاءات المؤتمرات والمشاورات العديدة!. كما دأب "ثوار السلالية" عبر الانتفاع من العلاقات الإجتماعية السامة على إيجاد ما يسمى بـ "التكتل الثالث"، الذي يسعى عبر التظاهر بالحكمة والعقلانية إلى اقتراح انصاف الحلول، وتصغير الإشكالية وحصرها في أسرة سلالية واحدة!. وكالمعتاد، فإن ديدان "ثوار السلالية" يتمثل بدور ادعاء المساهمة بالثورات عند نجاحها والشماتة من الأحرار عند فشلها، فأن نجحت الثورة قالوا نحن كنا في مقدمة صفوفها، وان فشلت قالوا عن الأحرار أولئك خونة وعملاء وفسقة!. ولم يكتفي "ثوار السلالية" بالأدوار السابقة فقط، بل أنها اجتهدت في تخدير العكفة وبث التفاؤل في أوساط العامة عبر نفخهم بـ أمجاد الفتوحات، وعملوا على هدم وتفرقة أبناء القبائل اليمنية عبر زراعة الفتن والدسائس وبث سموم التفرقة الطائفية، وتبادلوا الأدوار لصناعة تيارات وتكتلات عملت على إضعاف وشلل الحركات الثورية الوطنية، وغيرها العديد من الأدوار القذرة!.
أما في العهد الجمهوري الأول، فقد استمر أدوار "ثوار السلالية" وساروا أبنائهم على نهجهم، وبدأوا من اول يوم لسقوط الإمامية البغيضة بالعودة للاستحواذ على مفاصل الدولة تحت غطاء "المصالحة"، والعمل الجاد المخفي لإسقاط الجمهورية، وكيل الاتهامات ونشرت الشائعات والتخلص من الوطنيين الأحرار، والإِلتفَّاف حول كافة الرؤساء، وآخرهم الرئيس الأسبق -وأبنه- وزرعت لهم فكرة التوريث ليس حبًا بهم، وإِلتفَّت كذلك حول المنافسين الطامحين، وأوهمت الأضداد بأنهم جميعًا الأحق بالسلطة، واستغلت التعددية السياسية، ووظفت الديمقراطية، وعملت على دغدغة العواطف بحلم الدولة المدنية؛ حتى انكشف للجميع بعد سقوط الدولة بأن ثائر الدولة المدنية كان من المدافعين عن "حق الولاية"، وأن يساري الديمقراطية كان أول من صعد على المنبر لإعلان بيان ما يسمى المجلس السياسي بعد استيلائهم على العاصمة السياسية!. ويكفي أن يدرك القارئ الكريم بأن شخص "يساري" ظل يدعي بشعارات العدالة والمساواة وينادي بتطبيق اللامركزية بشكل كامل لعقود طويلة تحت مظلة أحزاب المعارضة السياسية، وقضى ما يقارب من الخمسة العقود وطيلة فترة الجمهورية الأولى تحت اسم "المقالح"، وبعد سقوط العاصمة السياسية تحت فكي إمامة ولاية الفقيه، تغير لقبه فجأة إلى "الحكيم" وأصبح من أول الداعمين لمركزية مرجعية ولاية الفقيه (مركزية المركزية)؛ علمًا أن أحد أفراد السلالية السابقين الذي كان ينتهي لقبه بـ "الحكيم"، كان مسؤول الشفرة في عصابة الكهنوتية في خمسينات القرن الماضي!.
إضافة إلى كل ما سبق ذكره من أدوار "ثوار السلالية"، ولكي نتحقق صحة ما طُرح بعنوان المقالة أعلاه، فأنه ينبغي علينا أن نضع التساؤلات التالية: كم عدد من ضحوا وماتوا مما يسمى بـ "ثوار السلالية" في الثورات السابقة لثورة سبتمبر، من أجل أن يكون الحكم بأيدي أبناء اليمن، لا بأيدي البطنيين؟!، وكم عدد من ضحوا وماتوا مما يسمى بـ "ثوار السلالية" مع الصف الجمهوري، أثناء الصراع ما بين الإمامية البغيضة والجمهورية؟!، وكم عدد من ضحوا وماتوا مما يسمى بـ "ثوار السلالية" لكي يكون أبناء الشعب اليمني مالك السلطة ومصدرها؟!، وكم عدد من ضحوا وماتوا مما يسمى بـ "ثوار السلالية" أثناء مشاركتهم بفك حصار السبعين يومًا على صنعاء؟!، وكم عدد من ضحوا وماتوا مما يسمى بـ "ثوار الكهنوتية السلالية" في الأحداث الراهنة مع الصف الجمهوري ومع أبناء اليمن، وليس مع ولاية السلالية؟!؛ والإجابة عن كل تلك التساؤلات تنص على أن "سيرة الكهنوتية السلالية من الأجداد والآباء ومن بعدهم أبنائهم كانوا بمقدمة الصفوف ضد أبناء اليمن، وضد كافة الثورات الوطنية التحررية!".
قبل الختام، نحن اليوم شاهدين عيان على أحداث هذه الفترة التاريخية البائسة (ولسنا قُراء لها فقط)، ونجد أن الكهنوتية السلالية أصدرت العديد من المؤلفات عن "ثوار السلالية" تتحدث عن تضحياتهم ودفاعهم عن اليمن وعزته وكرامته واستعادة أمجاده، وعن تمكّنهم من هزيمة ١٧ دولة؛ بينما الحقيقة المُرة التي يشاهدها الجميع، أنهم دمروا اليمن أرضا وإنسانا، وفككوا نسيجه الاجتماعي، ونهبوا ثرواته، ومارسوا التجويع الممنهج بحق شعبه، وجهلوا نشئه، وجعلوا منها أرض تجارب تمارس فيها الدول الأخرى سياساتها وتطبق استراتيجيتها، وتجرب أسلحتها، وتستفيد منها كـ ميدان مفتوح لتدريب أفراد قواتها!.
ختامًا، فئتين لا تُؤتمن مهما تظاهرت بالولاء للصف الجمهوري والعداء للمشروع الكهنوتي، ولا يمكن إشراكها بأي عمل ثوري حقيقي، تتمثل بـ: الفئة الأولى الكهنوتية السلالية، والفئة الثانية المصابين بداء مذهب أئمة السلالية!. ويتوجب إدراك أن الفئة الأولى لا يمكن أن تكن العداء لذاتها، وتعد ذخيرة معبئة في ماسورة بندقية مشروعها، وأدوارها الثورية المعتادة متمثلة بما سبق ذكره أعلاه؛ بينما الفئة الثانية العكفوية تعتبر من أخطر الأدوات التاريخية للفئة الأولى، ويقبع داخلها "ثلاثة أصنام سلالية"، وتحتاج إلى فترة زمنية طويلة لتحطيمها والتعافي من بلائها!. لذا، لا يمكن أن تقوم ثورة قومية حقيقية تكون مخترقة من الفئتين السابقتين، ولا يمكن أن يٌستعاد الوطن عبر إشراك أيدي سفاحين العصابة الإجرامية وأدواتها التاريخية بأي طريقة كانت، ولا يمكن أن يخرج اليمن من غَيهَب النفق المظلم إلا بواسطة التخلص الجذري من كل مسببات دخوله؛ وما يُميز حراك أقيال القومية اليمنية عن غيرها، أنها تدرك إدراكًا تامًا لكافة السطور أعلاه.