الحشاشون الجدد
الحوثي والتنكيل.. من شابَهَ أباه فما ظلم
الإمامة الهادويّة فكرة واحدة، تطلُّ بقرونها الشيطانيّة من منافذ عدة، تارة في هذا البيت، وتارة في ذاك، وخلال تاريخها تناوبت البيوتاتُ الإمامية الحكم من بيت الرسي إلى بيت العياني، إلى أحمد بن سليمان، إلى الحمزات، إلى آل شرف الدين، إلى القاسميين الذين امتدوا إلى بيت حميد الدين، وأخيرًا آل بدر الدين، وجميعهم في الإرهاب شرق. يستقون من فكرةٍ واحدة، وينتمون إلى أصلٍ واحد. جميعُهم ــ بلا استثناء ــ نكل باليمنيين وشردهم واستبد بهم، خلفًا عن سلف، ولا يزالون، مدعين الفضيلة، وتمثيل السّماء في الأرض، في أسوأ حكم ثيوقراطي، يفوق بشاعة حكم الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى لأوروبا.
عدوى الإرهاب المتوارث
إنَّ العدوى النفسيّة كالعدوى الحسيّة المادية، تسري بين الجماعات كما يسري الوباء، والمرء يتقبل الأفكار أكثر كلما ترددت على مسامعه أكثر، لا كلما عُرضت على عقله، وخاصّة في مرحلة الطفولة، ووفقًا لجوستاف لوبون: "وعلى نسبة أفراد الجماعة يكون تأثير العدوى شديدا. ولا يلبث المعتقد الضعيف أن يصبح قويا بعد أن يكتسب الأفراد الذين يعتنقونه صفة الجماعة. والمعتقد بعد أن ينتشر بالعدوى لا يُلتفت إلى قيمته العقلية؛ إذ لما كانت العدوى تؤثر في دائرة اللاشعور فإنه لا شأن للعقل فيها..".
انظر: الآراء والمعتقدات، جوستاف لوبون، ترجمة عادل زعيتر، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ط:1، 2014م، 156.
وتزداد هذه العدوى ثباتا ورسوخًا في المجتمعات المنغلقة على نفسها والبدائية، والتي لا تنتشر فيها نوافذ الثقافة أو أضواء المعرفة، كما هو الشّأن في جبال شمال اليمن الحصينة التي ظلت مغلقة على نفسها فترة طويلة من الزمن، فباضَ فيها الكيان الإمامي وفرّخ، وامتلك حاضنة اجتماعيّة بسبب الجهل أو التجهيل الذي فرضت على كثير من شباب هذه المناطق. وهي أساسًا لم تنشأ إلا في جبال الجيل والديلم، وجبال الرس، وجبال اليمن، بعيدا عن المدن. ومن هنا اكتسبت تلك الصلابة والشراسة والانغلاق على الذات.
إنّ كلَّ يمني في نظرِ الكيان الإمامي الإرهابي البغيض متّهمٌ بالفسوقِ والعصيانِ؛ بل ومتهمٌ بالكفر والمروق من الدين ما لم يُوالِ هذه الجماعة ويساندها على باطلها، وكلها باطل من الأساس. وكونه متهما في دينه وعقيدته، فإن دمه وماله حلال لهم، كما تقرر ذلك فتاواهم بصريح اللفظ، وكما تناولناها سابقًا، وهو ما جعلهم يوغلون في عداوتهم قتلا وتشريدا وتنكيلا، كما فعل آباؤهم وأجداهم. ولسان حالهم كما قال الشاعر:
هذي العَصَا من تلكمُ العُصَيّة
فهل تلدُ الحيّةُ إلا حيّة؟
الحشاشون الجدد
على نهجِ آبائه وأجداده يواصلُ الحشاشون الجُدد "الحوثيون" السّير على نهجهم، القُذّة بالقُذّة، ذلك أنّ الأحفاد كالأجداد ينتمون إلى نظرية دينية سياسيّة عتيقة، أساسها التطرف والإرهاب والإجرام. هذه النظريّة هي دليلهم النّظري، إضافة إلى السُّلوك العملي للأسلاف الذي أصبح حُجّة لدى الأتباع، يبررون به إجرامهم. وفي وثيقتهم الفكرية والثقافية التي أعلنوا عنها في فبراير 2012م: "ولا مخالفة لمن أمرَ الله بطاعتِهم وجعلهم وُلاة للأمة، محكومًا بالضوابط التي وضعها ومشى عليها أئمة الآل عليهم السلام..".
لقد أضاف الحشاشون الجدد "الحوثيون" القصفَ إلى جانب التفجير والتخريب والهدم والحرق الذي مارسه آباؤهم وأجدادهم السابقون، كوسيلة جديدة لم تتوفر لأسلافهم بطبيعة الحال، وإلا فإنهم يستغلون كل وسيلة لتحقيق أهدافهم الإجرامية.
لن نعودَ إلى الجذورِ الأولى لنشأةِ الإمامة الجديدة "الحوثية" في تنظيم خاص بها، منذ ثمانينيات القرن الماضي، مرورا بالمستجدات التي طرأت عليها مطلع التسعينيات، فالعام 97م، هذا أمرٌ يبدو خارج صلب الموضوع الذي نتحدثُ عنه، "التنكيل والتخريب والهدم"، باعتبار هذه الجماعة السُّلالية البغيضة امتدادًا طبيعيًا لأسلافها من لدن يحيى حسين الرسي، مع بعض التأثر بالخمينية الإيرانية المعاصرة.
كان منتصف العام 2004م هو التدشين الأول للتمرد المسلح على الدولة الذي قاده الصّريع حسين بدرالدين الحوثي آنذاك، وتواصلت هذه التمردات في سلسلةِ حروبٍ، سميت الحروب الست التي ابتدأت في يونيو 2004م، وانتهت في فبراير 2010م، ليأخذوا بعدها استراحة محارب، يوسعون فيها من أنشطتهم السياسية والثقافية بعد ذلك، ويعيدون تفريخ شباب جدد للمعارك الجديدة، بعد أن ابتلعت الحروب الست كثيرًا من شبابهم الذين تم تفقيسهم منذ الثمانينيات.
خلال هذه الفترة مارست أبشع الجرائم الإنسانية في حق العديد من الفئات والجماعات، ابتداءً من يهود آل سالم في صعدة، مرورًا بسلفيي دماج، فبعض أبناء القبائل في صعدة وعمران وحجة، وانتهاء بالانقلاب الأكبر على الدولة في سبتمبر 2014م الإعلان الأخير للمؤامرة السوداء، وليس انتهاءً بالجماعة المجهرية الصغيرة "البهائيين" في اليمن.
ووفقًا لدراسة خاصّة نشرها الدكتور رياض الغيلي، فقد ابتدأت فصول المؤامرة الأولى في بداية سبعينيات القرن الماضي عبر مجلس أعلى لكرادلة الإمامة في اليمن، من أجل استعادة مزعوم حقهم الإلهي في الحكم، ووضعوا الخطط الاستراتيجية لذلك.
وبطبيعة الحال.. لن ننسى هنا "يمين الثأر" للمنظر الإمامي المعاصر أحمد محمد الشامي، في ملحمته المعروفة "دامغة الدوامغ"، وهي تنزع إلى حقد تاريخي دفين ضد اليمنيين. يقول فيها:
ستسلو، قلت: لا أسلو دياري
ستنسى، قلت: لن أنسى القطينـا
عدمت الدمع إن لم أنتزفه
دمــا بعد اللواتي والذينــــــا
وظلت تأكلُ الحسراتُ قلبي
إذا لم أرْع حقهم المصونــا
ولا أبقتْ لي الأيامُ خلاً
إذا سالمتُ خصمَهم الخؤونا
سأطلبُ ثأرهم حتى أراها
بلاقعَ أو نعود محكمينا
ونشفي غلة ونميت ضغنــًا
ونستقضي المغارم والديــونا
***
سيعلم كل ختــالٍ أثيـــــــــم
بأنا رغم كل العالمينــا
سنجعل من حصونهم قبورًا
ونبني من قبورهم حُصونا
باختصار.. جماعة الحشاشين الجدد "الحوثيين" الإرهابيين:
ــ قتلت أكثر من 300 ألف يمني.
ــ جنّدت أكثر من 30 ألف طفل.
ــ شردت أكثر من ثلاثة ملايين يمني.
ــ فجرت أكثر من ألفي منزل.
ــ زرعت أكثر من مليون لغم
ــ أجاعت أكثر من عشرين مليون يمني.
د. ثابت الأحمدي