دفعتني سيل برقيات العرفان التي تواردت بالأمس من مسؤولي الدولة اليمنية إلى القيادة السعودية للعودة إلى فضاء وسائل التواصل.
كالعادة، كان رئيس الوزراء أحمد بن مبارك سبّاقًا في الشكر حتى قبل رئيسه، ثم جاء وزير المالية، لتتحول حسابات رئيس وأعضاء مجلس القيادة والإعلام الرسمي والعام إلى فرزة للإدلاء بمواقف العرفان للمملكة.
حسنًا، هل يعتقد هؤلاء أن هذا النمط يبعث على الاحترام في الداخل والخارج؟ أبدًا ولا وكلّا يا قوم، كان من الأجدى التزام البروتوكول الإعلامي الرسمي للدولة المعمول به في بلدان العالم كافة، بما في ذلك الشقيقة الكبرى.
بموجب الدستور، فإن رئيس الدولة هو الممثل الرسمي للجمهورية في الداخل والخارج، وبالتالي فهو المعني بإرسال برقيات من هذا النوع لرؤساء الدول.
وكان من الأفضل، بل الأقوى، لبن مبارك ووزرائه والبلد عمومًا، والأشقاء، الاكتفاء ببرقية رئيس الدولة، يعقبها -إن لزم الأمر- إصدار بيان باسم الحكومة للحديث والإشادة بالدعم السعودي الجديد، وربما كان بالإمكان تضمين ذلك أيضًا في جلسة نهاية الأسبوع إن استطاعوا إليها في الداخل سبيلًا.
بالطبع، حسب البروتوكول الإعلامي، لنائب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أن يهنئوا نظراءهم لكن ليس قبل رئيس الدولة مع أفضلية عدم نشرها في وسائل الإعلام العمومية.
غير أن ما يثير الإعجاب حقًّا في الداخل والخارج، وسط كل هذه الفوضى، هو التزام عضو مجلس القيادة الرئاسي سلطان العرادة بروتوكوليًا إلا في حالات نادرة جدًّا.
لا شك أن هناك من الضغوط ما يكفي على العرادة من طاقمه، وحاملي المباخر، لدفعه القيام بالنهج ذاته، لكنه يقاوم وفي تلك المقاومة يحصد احترام الداخل والخارج.
بالتأكيد هذا الانطباع يتعلق فقط بأهمية احترام العقد الاجتماعي بشأن مهام وسائل الإعلام الرسمية الممولة من دافعي الضرائب، وإظهار زعماء البلد كقادة وليس كناشطين من النوع الذي يعتقد أن سباقًا كهذا يمكن له تضليل الشارع، والمانحين إلى درجة القول إن الدعم السعودي الأخير يمكن أن يُحسب إنجازًا شخصيًا لأي منهم!!
ثمة الكثير مما يمكن تناوله لاحقًا بشأن قواعد البروتوكول الإعلامي المستمدة من نصوص دستورية، أو حتى يمكن تعلمها من محاكاة تجارب دول أخرى لمن أراد احترام شعبه وجيرانه، بل والاحتفاظ بما تبقى له من كرامة.
أكرر، ومن المهم أن نشدد جميعًا على أن احترام العرف الرسمي أو الإجراءات الرسمية للدولة ليس شكلًا فارغًا أو أن تُساق بهذه الخفة، بل ضرورة سياسية وإدارية ملحة تُعزز صورة الدولة ككيان مؤسسي يحترم دستوره وشعبه؛ لأن تجاوز هذه القواعد يُضعف ثقة الداخل والخارج، ويُظهر المسؤولين على نحو فردي مرتبك بدلًا من ممثلي بلد بأكمله.
في دول تحترم نفسها، تُعد برقيات الشكر والتصريحات الرسمية أداةً لتوحيد الخطاب الوطني، وليس ميدانًا للتنافس. مثل هذه الممارسات تزيد الفجوة بين الشعب وقيادته، خاصة في بلدنا، حيث يحتاج المواطنون إلى قادة يعالجون أزماتهم بدل الانشغال بالمجاملات العلنية التي لا تُضيف شيئًا سوى مزيد الانطباع بالفوضى المؤسسية.