تحظى قصة يوسف بمكانة محورية في كل من التوراة والقرآن، بين التشابه في الخطوط العريضة والاختلاف في التفاصيل.
في القرآن، تعد السورة الوحيدة التي تقوم على قصة واحدة من بدايتها إلى نهايتها دون أن ترتبط بقصص أخرى على عادة بقية السور.
وبينما سعت التوراة إلى تقديم سرد دقيق ومفصل مليء بالأسماء والتواريخ والأرقام (في حدود ما يتجاوز الـ6500 كلمة ربما)، مال القرآن (ما يقارب الـ1800 كلمة) إلى تقديم القصة بأسلوب بلاغي يركز على العبرة العامة دون الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة.
هذه الفروق تظهر جلية عند مقارنة السردين في نقاط رئيسية، منها تحديد ثمن بيع يوسف، ذكر أسماء شخصيات القصة، وتفاصيل العائلة.
(1)
في التوراة، يورد سفر التكوين (أصحاح 37: عدد 28) أن إخوة يوسف باعوه إلى الإسماعيليين بعشرين شاقلًا من الفضة، وهو مبلغ يتوافق مع سعر العبد في ذلك الوقت، إذ كان الشاقل وحدة وزن للفضة تُستخدم في المعاملات التجارية.
في القرآن، سورة يوسف الآية (20):
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ.
والتساؤل الماثل أمامنا سابقًا في هذه الصفحة أن الدراهم لم تكن قد ظهرت في زمن يوسف، وهي عملة ساسانية فارسية قديمة لم تعرفها المجتمعات الأقدم منها، ما يعكس استخدامًا مجازيًا ربما للإشارة إلى مبلغ زهيد، أو انعكاسًا لأسلوب القرآن الذي يفضل استخدام مصطلحات مألوفة لعصر نزوله، بصرف النظر عن الدقة التاريخية.
(2)
تقدم التوراة سردًا تفصيليًا بأسماء إخوة يوسف وعائلته، بينما يكتفي القرآن بالإشارة إليهم بصفات عامة دون تحديد أسمائهم.
في التوراة، يرد أن يوسف هو ابن يعقوب من زوجته راحيل، وله أخ شقيق هو بنيامين. كما يرد أسماء إخوته الآخرين: رأوبين، شمعون، لاوي، يهوذا، دان، نفتالي، جاد، أشير، يساكر وزبولون، إلى جانب أخت اسمها "دينة". وليس هذا فحسب، بل ترد كذلك أسماء أمهاتهم (ليئة أم رأوبين وشمعون ولاوي ويهوذا، وبلهة جارية راحيل أم دان ونفتالي، وزلفة جارية ليئة أم جاد وأشير، وليئة أم يساكر وزبولون ودينة، وبالطبع راحيل أم يوسف وبنيامين.)
في القرآن، لا يُذكر أي اسم سوى يوسف، حتى يعقوب يُشار إليه فقط بلقب "أبوه"، إلى جانب أخيه الأصغر الـ يُذكر بوصفه "أخاه" فحسب، كما لا يرد أي ذكر لأمه راحيل، وإنما فقط "أبويه" دون تحديد الأسماء.
(3)
بحسب التقاليد التوراتية، فإن يوسف كان ابن راحيل، وهي الزوجة المحبوبة ليعقوب، بينما كانت ليئة هي أختها الكبرى وزوجته الأولى. التوراة تفصل هذا الجانب، وتذكر أن ليئة هي أم باقي الإخوة (إلى جانب أبناء الجاريتين)، في حين أن راحيل أنجبت يوسف وبنيامين فقط.
في القرآن، عندما يرفع يوسف أبويه على العرش في نهاية القصة، يُذكر أن أبويه سجدا له ورفع أبويه على العرش وخرّوا له سجّدًا، ما جعل بعض المفسرين يفترضون أن "أمه" هنا تعني خالته (أي ليئة)، لأنها كانت بمثابة الأم له بعد وفاة راحيل التي رحلت مبكرًا متعسرة بولادة شقيقه بنيامين (انظر الأصحاح 35 من سفر التكوين)، ما يعني أنها رحلت أساسًا قبل حدوث قصة يوسف مع إخوته، لكن النص القرآني لا يحسم هذا الأمر.
(4)
إلى ذلك، تقدم التوراة تواريخ وأعمارًا للأحداث، مثل عمر يوسف حينما بيع (17 عامًا ربما)، والفترات التي قضاها في السجن وخدمته في بيت فوطيفار، وأخيرًا عمره حين أصبح حاكمًا لمصر. كما يتطرق سفر التكوين إلى العلاقة المشوبة منذ البدء بالنميمة بين يوسف وإخوته، بينما تُعرض القصة قرآنيًا بشكل موجز دون الإسهاب في التفاصيل.
(5)
خلاصته، تقدم التوراة سردًا مفصلًا لقصة يوسف، يشمل أسماء الشخصيات، التفاصيل العائلية، الأسعار والأوزان الاقتصادية، والفترات الزمنية، فيما يصدّر القرآن النص ببلاغته المعهودة (وبخاصة في هذا السورة)، ما يجعل القصة أكثر مرونة في المعنى دون الامتداد إلى الدقة التاريخية.
هذا الفارق الجوهري ربما يعكس الاختلاف في طبيعة النصوص؛ بين التوثيق والبعد الروحي معًا، والمنحى المكثف –وربما المجرد- للقصة/العبرة.