استحدثتْ السعودية، منذ ثلاثة أعوام، مناسبة وطنية اسمها "يوم التأسيس" في 22 فبراير من كل عام، ذكرى اليوم الذي تولى فيه محمد بن سعود الإمارة في الدرعية عام 1727م، قبل 17 عام من انعقاد الحلف الشهير بينه وبين الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
ينطوي هذا الاختيار على تأكيد رمزي مفاده أن الإمارة السياسية هي أصل القصة وما الدعوة الدينية إلا فرع منها.
فليست القصة دعوة دينية تحولت إلى دولة، كما هو الشائع، وإنما إمارة تحولت بالدعوة وأشياء أخرى عديدة إلى مملكة مترامية الأطراف،
وفي هذا فصل للتاريخ السياسي عن الديني وتقديم الأول على الثاني، وهذا لا يعني مطلقاً إبعاد الدعوة من القصة بقدر ما يعني إعادة تعريف وموضعة محسوبة لمكانتها ودورها داخل القصة ذاتها.
وهكذا، لم تعد لحظة انعقاد الحلف بين الشيخ والأمير هي البداية بل تولي الأمير محمد بن سعود زمام الأمر في الدرعية هو البداية، والذي بدوره اعتنق دعوة الشيخ عندما وفد إليه عام 1744م وعقد معه معاهدة حماية وعمل ومصير.
هذا الفارق في رواية وترتيب الأحداث وفي التأصيل والتفسير، له أهمية تكوينية إصلاحية تمسّ الدولة في حاضرها ومستقبلها،
فالقول بأن الدعوة أضيفت إلى الإمارة وليس العكس، معناه أن الدعوة الدينية لم تكن شرط وجود بالنسية للدولة -السلطة السياسية- وإنما كانت لا سيما في مراحل بعينها شرط نجاح، عامل مساعد، وهذا القول لا يستوجب بالطبع جحوداً وإنكاراً للدعوة ولا تنصلاً عنها.
ما سبق يعيد الاعتبار لفكرة منسية وهي أن الوهابية في الأصل حركة إصلاح تختص نظرياً وعملياً بأمور العقيدة والدين،
أما في أمور السياسة والاجتماع والتمدن والعمران فليس لها مقالة خاصة ولا "نظرية" وإنما ارتبطت بعلاقة "عملية" مع سلالة حكم ملكية دنيوية كانت موجودة سلفاً ولم تكن تسند شرعيتها إلى نص ديني أو دعوى لاهوتية بل إلى النبالة وشرف المحتد العربي وشرعية الانجاز والتفوق السياسي وأعمال الفتح والغزو وغير ذلك مما يستند إليه الملوك والأمراء عادةً من أصول وركائز لتثبيت وتقنين سلطانهم.
[المنشور مجتزأ بتصرُّف من مقال سابق]