آخر تحديث :الإثنين-24 فبراير 2025-02:25ص

أحمد أمين وابنه ودراويش التراث الجدد

الإثنين - 24 فبراير 2025 - الساعة 02:19 ص

حسين الوادعي
بقلم: حسين الوادعي
- ارشيف الكاتب


في مقال لجورج طرابيشي، يقارن فيه بين الرائد النهضوي أحمد أمين وولده جلال، يلاحظ أن الأب كان أكثر انفتاحًا، تمردًا، جرأةً، وعقلانية من الابن، رغم أن الأب كان أزهريًا ذا تعليم تقليدي، في حين أن الابن خريج أرقى جامعات بريطانيا وأكثر تأثرًا بالفكر اليساري العالمي.


استخلص طرابيشي “قانون الردة”، وهو كيف تحول الفكر النهضوي، الذي قام على ثنائية (الصالح من الغرب + الصالح من التراث)، إلى أحادية صارمة (الغرب كله مرفوض والتراث كله مطلوب) تأثرا بصدمة حزيران 1967.


لكن ظاهرة الأزهري الأكثر استنارة من اليساري ليست الأبرز في المشهد، إذ ظهرت ثلاثة أشكال للاستجابة الحضارية للتحدي الغربي الاستعماري:

1. التيار النهضوي: يقوم على أن نأخذ من الغرب التكنولوجيا، المؤسسات السياسية والاقتصادية، والأفكار الكبرى التي صنعت تفوقه، ما دامت لا تتعارض مع هويتنا ومصالحنا. وينتمي إليه آباء النهضة الكبار مثل الكواكبي، البستاني، محمد عبده، الأفغاني، والجيل الثاني مثل طه حسين، لطفي السيد، علي عبد الرازق، وسلامة موسى في مرحلته الأخيرة.

2. التيار السلفي: يؤمن بضرورة أخذ التكنولوجيا فقط ورفض كل ما عداها من أنظمة، سياسات، ديمقراطيات، وحقوق. ويمثله التيار السلفي الديني منذ حسن البنا وما تبعه من تيارات حركية، جهادية، ودعوية.

3. التيار الرافض للحداثة بالكامل: يرفض الغرب بجميع مؤسساته وقيمه، بل حتى تكنولوجياه ومستشفياته ومعامله وقدراته العلمية. والمفارقة أن هذا التيار لم يكن دينيًا سلفيًا، إذ حتى طالبان والدولة الإسلامية في أسوأ مراحل تخلفهما لم ترفضا التكنولوجيا الغربية أو منتجات العلم الحديث.


هذا التيار ظهر من شخصيات يسارية، ماركسية، وذات تعليم غربي 100%، أبرزهم جلال أمين، الذي نقل مقولات “مدرسة فرانكفورت” حرفيًا إلى الواقع العربي، وبنى عليها رفضه لكل شيء حديث وتقديسه لكل شيء قديم ومتخلف، معتبرًا أن ما نراه تخلفًا ليس سوى خداع غربي.


لكن الحالة الأكثر بؤسًا لهذا التيار نجدها في وائل حلاق، الذي يروج لمشروع رفض كل شيء حديث، بما في ذلك الطب، التكنولوجيا، والدولة، ويحذر العرب من تكوين دولة أو قوانين أو تعليم حديث، بل ويحذرهم أكثر من “مصيدة الديمقراطية وحقوق الإنسان”، ويتمنى أن يعودوا للعيش كما كانوا في العصر الأموي، كما ذكر في إحدى مقابلاته!


كيف يمكن أن يحدث هذا؟ ولماذا ظهر دراويش التراث والردة الحضارية الجدد من عمق الجامعات الغربية (حلاق وجوزف مسعد)واعتمادا على أحدث نظريات ما بعد الحداثة الكولونيالية؟

الأمر يتجاوز النقاش الفكري الى التحليل النفسي.

وطرابيشي كان من القلائل الذين مارسوا التحليل النفسي على خطاب المثقفين العرب.