(1)
التاريخ لا يكشف عن قصص ملائكية منزهة عن الخطأ، بل عن طبيعة البشر في شوقهم للسلطة وتقاطع المصالح.
هذه الطبيعة لا تلغي إيمانهم ولا تسقط رسالتهم، لكنها تضعهم في إطارهم الإنساني الذي يحتاج إلى فهم بعيدًا عن التقديس الأعمى.
السلطة، المصالح القبلية، والرغبة في السيطرة كانت خيوطًا متشابكة في نسيج ذلك الزمن، وهذا ما يجسده مقتل عثمان.
فهل يجب أن يُقرأ هذا التاريخ بعيون التقديس أم الفهم؟
هالة القداسة تسلب الإنسان حقه في التساؤل، التحليل وفي محاولة فهم دوافع البشر حتى لو حملوا أسمى المقاصد.
القراءة المحايدة، العميقة، تكشف عن بشريتهم، عن أخطائهم، عن قراراتهم التي قد تكون أصابت هنا وأخطأت هناك.
النظر إلى هؤلاء الأشخاص على أنهم بشر قبل أن يكونوا رموزًا دينية، يمنحنا إدراكًا أفضل بل وأعمق لطبيعة الإنسان.
(2)
الأنبياء جاءوا لهداية الناس إلى الله، ولم يكن هدف الرسالات تأسيس سلطة سياسية أو فرض حكم دنيوي.
الله هو القدوس، وهو وحده من يستحق القداسة، وللإنسان الكرامة.
كل إنسان يخطئ ويصيب، يجتهد هنا ويتراجع هناك، يضيء هنا وقد يظلم هناك.
(3)
بالتالي قراءة التاريخ كما هو وكما يجب لا تعد أبدًا خيانة.
الله وحده هو الحق المطلق، فيما يسقط البشر أحيانًا، وربما أحيانًا كثيرة، أو ينحرفون عن الجوهر.
وحين يتداخل الدين مع السلطة، يتحول إلى ساحة اختبار مباشرة للطبيعة البشرية، ويخرج عن كونه دينًا -طريقًا إلى الله- إلى معنى آخر لا يشبهه.
ويمكننا القول إن الصراعات التاريخية المعروفة، وأبرزها متلازمة علي/معاوية، ليست مجرد مشاهد في تاريخ سياسي، بل انعكاسات لصراع بشري. وإن كان لأولئك الرجال فهمهم وظروفهم في سياق معقد ومتشابك حينها، فإن استمرار هذا الانقسام بين المسلمين عبر كل هذه القرون وحتى وقتنا الحاضر بات ظاهرة مرضية مزمنة ومهينة.
الاعتراف ببشرية الصحابة وأخطائهم لا يعني الإساءة إليهم بل وضعهم في سياقهم الطبيعي بكل ما يحمله من ضعف وقوة.
والإيمان لا يحتاج إلى أوهام العظمة وإنكار الأخطاء، بل يحتاج شجاعة الاعتراف.
لا قداسة في السلطة ولا عصمة في السياسة على مر التاريخ ودون أي استثناء في أي ثقافة وحضارة.