آخر تحديث :الأربعاء-19 مارس 2025-05:26ص

محمود أمين العالم ذلك الحضور الدائم

الأربعاء - 19 مارس 2025 - الساعة 03:58 ص

د. قاسم المحبشي
بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


مع خالص الشكر للمستشار الإعلامي الذي ذكرني


( الأصعب ليس أن يموت المرء ، بل أن يموت الذين حوله ، كلهم ، ويبقى هو حيا) تولستوي


تذكرت هذه العبارة وأنا في القاعة؛ قاعة مؤسسة خالد محي الدين الثقافية التي تزينت بصورة الراحل العظيم محمود أمين العالم؛ احتفالية بمناسبة مئوية ميلاده ( فبراير١٩٢٢ حتى فبراير ٢٠٢٢م. استمعت إلى الأوراق المقدمة في الندوة من الباحثين المصرين بعضهم زملاءه وبعضهم تلاميذه وبعضهم مهتمين به. تذكروا المفكر والمناضل والمثقف والإنسان والمدير العام والكاتب المثير في مختلف مجالات التعبير والكتابة؛ الفلسفة البحتة والسياسية المثقفة والنقد الأدبي والقضايا الاجتماعية والشعر والمسرح وغير ذلك. حرصت على الحضور احتراما وتقديرا للاستاذ الراحل محمود أمين العالم الذي تشرفت بمعرفته حينما كان استاذا زائرا في جامعة عدن. جاء الأستاذ من القاهرة في زيارة أكاديمية إلى جامعتنا؛ جامعة عدن مطلع عام ١٩٧٧م كان عمره قرابة السبعين عاما فهو من مواليد (18 فبراير 1922 – 10 يناير 2009) حينذاك وهو مفكر يساري إنساني من الطراز الرفيع. عرفناه قبل أن نراه من كتبه ومنها؛ مواقف نقدية من التراث: دار قضايا فكرية – 1997.الإبداع والدلالة: مقاربات نظرية وتطبيقية-دار المستقبل العربي – 1997.أغنية الإنسان: ديوان شعر- دار التحرير 1970.كتاب “من نقد الحاضر إلى إبداع المستقبل “، مساهمة في بناء نهضة عربية جديدة – المستقبل العربي 2001. والإنسان موقف

معارك فكرية وهربرت ماركيوز ؛فلسفة الطريق المسدود والوعي والوعي الزائف في الفكر العربي وتأملات في عالم نجيب محفوظ. الوجه والقناع في المسرح العربي المعاصر الابداع والدلالة وثلاثية الرفض والهزيمة دارسة في أدب صنع الله ابراهيم. كما هو واضح من عناوين كتب الفيلسوف محمود أمين العالم كان مثقفا واسع الرؤية والأفق وبالغ العمق والتمكين المعرفي. وهو يعد أول أكاديمي عربي يبحث في فلسفة العلوم بحثا تطبيقيا فلسفة المصادفة: بحث في الفلسفة العلمية يؤكد الأساس الموضوعي للمصادفة ويحدد دلالتها في الفيزياء الحديثة” كنت حينها في سنة رابعة جامعة وكان الاستاذ الدكتور نمير العاني هو رئيس قسم الفلسفة. في الندوة الاحتفالية بمئويته طلبت الكلمة وقلت فيها مايلي:

لروحه السلام والطمأنينة جمعنا حاضرا وجمعنا غائبا محمود أمين العالم هو ذلك الحضور الدائم لقد احببت مصر بعد أن عرفته إنسانا على درجة عالية من النبل والتواضع الحميم. جاءنا مبتسما ولم أراه يوما الا وهو كذلك بعكس اليساريين المتجهمين دوما. كنا في عدن الاشتراكية نعاني من حصر ايديولوجي خانق حينما جاء العالم الينا إذ قلما شاهدنا أو استمعنا لمثقف يساري يعرف عن ماذا يتحدث.

عدا الاستاذ نمير العاني ولكنه كان شخصا أكاديميًا صارما قلما يبتسم. محمود أمين العالم

وهو يحاضر لا يكشف عن توجهاته الأيديولوجية ابدا إذ أنه كان يميز بين دور الأكاديمي المهني المعني بالمعرفة العلمية ودور المثقف الملتزم بقضايا الشأن العام. لفت نظري في مداخلة الاستاذ الدكتور أنور مغيث موضوع المعارك الفكرية التي خاضها محمود أمين العالم مع كبار مفكري واعلام زمانه؛ طه حسين وزكي نجيب محفوظ وأنور عبد الملك وعبدالرحمن بدوي وغيرهم. فاين نحن من تلك المعارك الفكرية اليوم؟! والفكر لا ينمو ويزدهر الا عبر النقاش والحوار العقلاني في الفضاء العام.

يصف بورخس حال أفلاطون وهو يكتب المحاورات واصفا حال أستاذه سقراط :" لم يكن يعرف الصفحة الأخيرة وهو يكتب الصفحة الأولى كان يترك ذكاءه يهيم شاردا ...يخيل إلي أن هدفه الأساسي كان الوهم بأن سقراط مازال يرافقه على الرغم من أن سقراط تجرع السم ومات " يراودني إحساس أن أقتفي اثر بورخس وهو يقتفي اثر أفلاطون في تخيله أساتذته وكأنهم أطياف حاضرة تحيط به .أتخيل بأن محمود أمين العالم يرافقني كطيف يحيط بي لكن من المؤلم والمحزن أن يدرك المرء ، بعد فوات الأوان أنه : ليس بإمكانه أن ينهل من النبع مرتين) فحين يفيض النبع ـ مرة وإلى الأبد ـ دون أن نغرف منه ؛ لا تتكشف الأسئلة الحارقة عن غياب سهولة الارتواء من النبع ؛ بل عن غياب الجدوى التي تضمر فقراً مخيفا ً ، وذهولا عن الانتباه لعابر هائل مر بنا وكما يقول النفري: ( كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة ) لقد اتسعت الرؤية لدية ربما تكون حاصرته تلك التأويلات ، في هذه العوالم الخرساء ، وزمان النكوص. لكم تخذل المرء سيماؤه ، ولكم يجهل الناس ما يعرفون ، وهل أنت ، إلا الذي جهلوه ؟!