تأتي الضربات الأمريكية الأخيرة على مليشيا الحوثي ورد الاخير عليها بقصفه حاملة الطائرات USS HARRY TRUMAN في ظل ظروف إقليمية ودولية متوترة، حيث تتداخل المصالح السياسية والاستراتيجية وسط صراع جيوسياسي متصاعد بين القوى الكبرى. فهذه العمليات العسكرية ليست مجرد رد فعل معزول، بل تأتي ضمن سياق أوسع يشهد مواجهات بأشكال مختلفة بين الأطراف المتصارعة، سواء عبر التحركات العسكرية أو عبر المسارات الدبلوماسية التي تنشط فيها الدول الأوروبية الحليفة لواشنطن. ومع تصاعد الاستهداف الأمريكي لمواقع رئيسية تابعة للحوثيين، يثار التساؤل حول ما إذا كنا أمام تحالف دولي جديد يسعى لمواجهة الميليشيات المسلحة، أم أن هذه الضربات مجرد رسائل عابرة في إطار الصراع على النفوذ الإقليمي والدولي.
الإدارة الأمريكية، وفقًا لتصريحات رئيسها دونالد ترامب، تؤكد أن هدفها الأساسي هو حماية مصالحها الاستراتيجية وتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، خاصة في ظل التهديدات المتزايدة لأمن الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب. فمن الناحية العسكرية، تهدف هذه الضربات إلى تقليص القدرات الهجومية للحوثيين عبر استهداف البنية التحتية العسكرية، بما في ذلك مخازن الأسلحة ومنصات إطلاق الصواريخ، مما قد يحد من قدرتهم على تنفيذ هجمات مستقبلية. لكن في الوقت ذاته، تحمل هذه العمليات رسالة ردع واضحة لإيران، باعتبارها الداعم الرئيسي للحوثيين، مفادها أن الولايات المتحدة لن تتهاون مع أي تهديد لأمن الممرات البحرية أو مصالحها وحلفائها في المنطقة.
لكن التجارب السابقة أظهرت أن الضربات الجوية وحدها قد لا تكون كافية لإنهاء التهديد الحوثي، فقد أثبتت الجماعة مرونة في إعادة بناء قدراتها العسكرية واللوجستية، مستفيدة من الدعم الإيراني والتغيرات الإقليمية. وهذا يطرح أسئلة جوهرية حول جدوى الحل العسكري في تحقيق الأمن والاستقرار. فهل يمكن لهذه الضربات أن تدفع الحوثيين نحو الانخراط في عملية سلام حقيقية؟ وهل ستؤدي إلى وقف تهديدهم للأمن القومي السعودي وأمن الخليج؟ أم أن الأمر يحتاج إلى رؤية سياسية أكثر شمولًا لمعالجة جذور الأزمة؟
حتى الآن، يمكن القول إن جميع الجهود الدبلوماسية السابقة لتحقيق السلام باءت بالفشل، إذ لم تحقق الهدف الأساسي المتمثل في إيقاف الحرب والتوصل إلى تسوية سياسية شاملة. ويرجع ذلك إلى رفض الحوثيين المستمر للحلول السلمية، واستغلالهم للمفاوضات الدولية لكسب المزيد من الوقت وتعزيز مواقعهم العسكرية، وهو ما أدى إلى توسيع دائرة الصراع ليشمل البحر الأحمر، محولًا إياه إلى ساحة مواجهة دولية تهدد الأمن الإقليمي، وليس فقط أمن الدول الخليجية أو إسرائيل، بل أيضًا مصر وبقية الدول العربية المطلة على البحر الأحمر.
في الواقع، بينما تحمل الضربات الأمريكية أهدافًا تكتيكية واضحة، فإن نجاحها في تحقيق الاستقرار الإقليمي يعتمد على عدة عوامل، أبرزها مدى قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على تنفيذ استراتيجية طويلة الأمد تضمن عدم عودة الحوثيين إلى التصعيد، إلى جانب الحاجة إلى حلول سياسية تدعم استقرار اليمن والمنطقة. فالقوة العسكرية وحدها قد تؤدي إلى احتواء التهديد لفترة معينة، لكنها لن تحل جذور المشكلة ما لم يتم فرض إطار سياسي واضح يقطع الطريق على استغلال الحوثيين للوضع القائم لتحقيق مكاسب جديدة.
والسؤال الأهم الذي يبقى مطروحًا: هل نحن أمام بداية مرحلة جديدة من المواجهة الدولية مع الميليشيات، أم أن هذه الضربات ستظل مجرد جزء من معادلة النفوذ والتوازنات الإقليمية دون تأثير حاسم على مسار الصراع؟.