في رأيي: أن الرئيس ترامب قد وضع نفسه، وبالتبعية جماعة الحوثيين، في موقف معقد وحرج؛ فمن جهة، لا شك أن الضربات الجوية الأمريكية ستتصاعد شدتها وقوتها، مما سيؤدي إلى إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين بشكل ملحوظ. لكن من جهة أخرى، يبقى من المشكوك فيه أن تتمكن هذه الضربات وحدها من تحقيق هدف إسقاط سيطرة الحوثيين على صنعاء أو إنهاء حكمهم بشكل كامل، كما تأمل قوى داخلية وإقليمية وذلك ليس بالضرورة هدف واشنطن.
وبذلك لن يتبين نصرٌ واضح لترامب
وهنا يكمن الخطر الحقيقي في أن هذه المواجهة تمثل الاختبار العسكري الأول لترامب في فترة ولايته، وهي تأتي بعد سلسلة تهديداته المتكررة التي كادت تصبح يومية، حيث وعد بـ"فتح أبواب الجحيم" على أعداء أمريكا ومحو أي تهديد لمصالحها من الوجود.
ترامب، بشخصيته المهووسة بالنجاح وربط اسمه بالانتصارات، لن يقبل بأقل من تحقيق هدف كبير يعزز صورته كقائد حاسم.
لكن إزالة الحوثيين من المشهد ليست بالمهمة السهلة، نظرا لعدة عوامل معروفة، أبرزها الدعم الشعبي غير القليل الذي يتمتعون به – وهي حقيقة قد نرفض الاعتراف بها أحيانًا لأسباب نفسية أو سياسية، مفضلين تجاهلها تحت ستار المغالطات التي نختارها لأنفسنا؛ بالإضافة الى طبيعة الناس والجغرافيا والديموغرافيا … الخ
هذا يعني أن ترامب لن يكتفي بنتائج محدودة. إما أن يصعد من استخدام القوة بشكل كبير، مكررا الضربات الجوية بما قد يترتب عليه من دمار واسع، وإما أن يسعى إلى صفقة سياسية مربحة عبر وساطة إقليمية تجبر الحوثيين على الاستسلام ووقف هجماتهم على الملاحة البحرية.
لكنه، بطبعه، لن يقبل أن تُبرم هذه الصفقة في الخفاء كما قد تسعى دولة إقليمية مجاورة ومقربة، لأن ذلك سيحرمه من إعلان النصر بصوت عالٍ.
النقطة الأكثر أهمية هي أن الضربات الجوية، رغم قوتها المتوقعة، لن تكون حاسمة ما لم تترافق مع تحرك عسكري على الأرض.
وهنا تبرز عدة اعتبارات يجب أخذها في الحسبان:
أولاً، من غير المرجح أن يرسل الأمريكيون قوات برية للقتال في اليمن أو أي ساحة أخرى في عهد ترامب، لأن ذلك يتعارض مع قناعاته الشخصية التي ترفض توريط الجيش الأمريكي في حروب مباشرة طويلة الأمد.
ثانيًا، القوات الجنوبية لن تكون مستعدة أو راغبة في خوض هذه المعركة لأسباب عديدة، منها حاجتها إلى ضمانات سياسية وعسكرية قوية، وهي لم تنس أن "الشرعية" أوقفت حرب تحير الحديدة وهي على مشارف المدنية بعد تقديم القوات الجنوبية أكثر من الف شهيد للوصول الى تلك المواقع؛ لتتخلى عنها الشرعية بجرة قلم واحدة، وفي غرفة دافئة من فندق يحيطه الثلج من كل مكان بالقرب من ستركهولم (2018)
فضلاً عن ذلك لن ينسى أحد الضغوط التي تتعرض كل القوات الجنوبية من الحرب المستمرة والتشويه الإعلامي والسياسي الذي تمارسه الشرعية وحلفاؤها ومناصروها حتى عندما وصلت القوات إلى الحديدة ومأرب، تعرضت لانتقادات لاذعة،
أنا شخصيًا، كنت شاهدا ميدانيا على ذلك – اخترت تغطية الحرب لأشهر طويلة، نائمًا في الشوارع والصحارى تحت القصف، بينما كان أنصار الشرعية وإعلامها يشنون هجماتهم ضدنا ليلا نهارا من أمان فنادقهم حول العالم.
ثالثًا، القوات الشمالية، بما فيها الجيش الوطني، أثبتت على مدى ثماني سنوات من الدعم الجوي للتحالف أنها غير قادرة أو راغبة في مواجهة الحوثيين بفعالية؛ الأحزاب التي تسيطر عليها تتسم بالبراغماتية المفرطة، تسعى للسلطة دون استعداد لتقديم التضحيات اللازمة، مفضلة أن يدفع الآخرون الثمن.
لكن هناك استثناء محتمل: قوات المقاومة الوطنية. إذا نجحت في توحيد خصوم الحوثيين من الشماليين حولها، وتلقت دعما قويا من المجلس الانتقالي والقوات الجنوبية، فقد تتمكن من إحداث تغيير حقيقي على الأرض.ك؛ هذا السيناريو، قد يكون المفتاح لتحقيق تقدم ملموس في مواجهة التحدي الحوثي؛ خصوصا أن قادة المقاومة الوطنية في الساحل الغربي تمكنوا خلال السنوات السابقة من إدارة سياسيات عقلانية متوازنة فلم يعادوا أي طرف والأهم أنهم يعلمون بصمت ويجهد في بناء قوة لا يستهان بها، وفي حال تخلي الأطراف الأخرى الشمالية وخصوصا الاخوان عن حروب الأحقاد والتفريق والمشاريع التي لا أفق لها؛ سنكون امام واقع مغاير.
صلاح بن لغبر
17/03/2025