هذه القصة تدفعني إلى الاعتذار إلى تلاميذي عندما كنت مدرسًا في أكثر من موقع، ثم بعد ذلك مديرًا لمدارس تعز الأهلية منذ عشرين عامًا. بعدها انتقلت للعمل في وزارة الادارة المحلية وفروعها،..
القصة......
قالت لهم واحدًا واحدًا: "أحبكم يا تلاميذي"، وأعطت كل طالب صفة جميلة، وهي تشير إليه بإصبعها.
لكنها استثنت طالبًا واحدًا من كل هذا الحب والتشجيع،
وهو الطالب "تايدي".
فملابسه دائمًا شديدة الاتساخ، ومستواه الدراسي متدنٍ، ومنطوي وشارد، بناءً على ما لاحظته المعلمة خلال العام.
ودونت بذلك تقريرًا إلى الإدارة بصعوبة التعامل معه.
فهو لا يلعب مع الأطفال، وملابسه متسخة، ودائمًا يحتاج إلى الحمام.
لقد زجرته عن ذلك كثيرًا، وفي كل مرة تضع علامة "إكس" بالقلم الأحمر على أوراق إجاباته، مع عبارة "مهمل" و"راسب".
وذات يوم تم تكليف المعلمة من إدارة المدرسة بمراجعة سجلات التلاميذ بشكل عام.
وبينما كانت تراجع ملف "تايدي"، فوجئت بشيء ما!
لقد كتب عنه أحد المعلمين ما يلي:
"تايدي طفل ذكي موهوب يؤدي عمله بعناية وبطريقة منظمة."
بينما كتب معلم آخر:
"تايدي تلميذ نجيب ومحبوب لدى زملائه، ولكنه منزعج بسبب إصابة والدته بمرض السرطان."
وكتب معلم آخر:
"لقد كان لوفاة أم "تايدي" وقع صعب على نفسه، كانت هي كل ما لديه من الدنيا، وكانت ملاذه الوحيد. حاليًا يقسو عليه والده، وهو يحاول التعلم وخدمة نفسه في البيت منفردًا رغم صغر سنه."
بينما كتب معلم آخر:
"تايدي تلميذ منطوي لا يبدي الرغبة في الدراسة وليس لديه أصدقاء، وينام أثناء الدرس، ويعاني من صدمة نفسية وغياب الأب، وتحمل مشاق الطفولة منفردًا."
هنا أدركت المعلمة المشكلة، وشعرت بالخجل من نفسها!
بالمصادفة كان اليوم عيد ميلاد المعلمة، وعادة ما يحضر تلاميذها لها الهدايا. وقد تأزم موقفها عندما أحضر التلاميذ هدايا عيد الميلاد لها ملفوفة بأشرطة جميلة وتغليف جذاب، ما عدا الطالب تايدي. كانت هديته ملفوفة بكيس أسود مأخوذ من أكياس البقالة.
تألمت المعلمة وهي تفتح هدية تايدي، والتلاميذ يصرخون بالضحك على هديته. كانت الهدية عقدًا فضيًا مؤلفًا من ماسات ناقصة الأحجار، وقارورة عطر ليس فيها إلا الربع منها.
كان ذلك ما يحتفظ به تايدي مما تركته أمه في دولابها.
وكان يحرص على فتح الدولاب كل مساء وتقليب بعض الأشياء التي تعيده إلى بعض الفرح.
توقف التلاميذ عن الضحك عندما قالت المعلمة: "ما أجمله من عقد، إنه أفضل هدية حصلت عليها في حياتي."
ثم ارتدت العقد ورشّت بعض العطر على ملابسها وقالت: "شكرًا تايدي، هديتك مميزة."
يومها لم يذهب تايدي بعد الدراسة إلى منزله مباشرة، بل انتظر المعلمة حين خرجت وقال:
"إن رائحتك اليوم مثل رائحة أمي تمامًا"، واغتالت دمعتان خده.
ثم انصرف مسرعًا...
عندها انفجرت المعلمة بالبكاء، لأن تايدي أحضر لها زجاجة العطر التي كانت والدته تستعملها، ووجد في معلمته رائحة أمه الراحلة!
منذ ذلك اليوم أولته اهتمامًا خاصًا، وبدأ عقله يستعيد نشاطه. وفي نهاية السنة أصبح تايدي أكثر التلاميذ تميزًا في الفصل....
بعد عشرين عامًا فوجئت هذه المعلمة بتلقيها دعوة من كلية الطب لحضور حفل تخرج الدفعة في ذلك العام، موقعة باسم "ابنك تايدي".
فحضرت وهي ترتدي ذات العقد، وتفوح منها رائحة ذات العطر.
هل تعلم من هو تايدي الآن؟
إنه تايدي ستودارد، أشهر طبيب في العالم أو من أشهرهم لعلاج السرطان...
ترى كم طفلًا دمرته مدارسنا بسبب سوء التعامل؟
وكم تلميذًا هدمنا شخصيته؟!
أخشى أنني قد فعلت شيئًا من ذلك عندما كنت مدرسًا
أو مديرًا.
كنت أقسو أحيانًا بدافع حب أن يكون التلاميذ في أفضل أحوالهم دراسيًا وتربويًا، واستخدمت العصا أحيانًا.
لم أكن حينها بهذا الوعي الذي أنا فيه الآن. وربما لو كنت مافعلت او كنت أقل حده،،
فإن كنت قد أخطأت في حق تلميذ من تلاميذي،
وهم بالآلاف،،،
فإني أعتذر وأطلب الصفح الجميل...
والسلام....
#الشبزي
،،
،