آخر تحديث :الأربعاء-08 يناير 2025-07:09م

ثلاث خرافات مستجدة عن العلمانية

السبت - 21 ديسمبر 2024 - الساعة 12:23 ص

حسين الوادعي
بقلم: حسين الوادعي
- ارشيف الكاتب


الخرافة الأولى: الأنظمة العربية المستبدة أنظمة علمانية

……………

للأسف شارك في نشر هذه الخرافة نفر من المثقفين عبر نوع من الهَبَل التحليلي الذي يخلط بين العلمانية وبين تأميم الدين لصالح الدولة.

لنأخذ النظام السوري الساقط على سبيل المثال لانه النظام الذي تتسلط عليه الأضواء حاليا.


 الدستور السوري الأخير ينص صراحة على أن دين رئيس الجمهورية هو الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وأن الأحوال الشخصية يتم الرجوع فيها إلى الطوائف. بمعنى أن الدستور السوري ليس فقط دستورا اسلاميا بل هو أيضا دستور طائفي. فهو يحرم مسيحيي سوريا مثلا من الترشح لرئاسة الجمهورية. وهو يحرم المرأة من إمكانية التقاضي أمام قانون مدني لانه يضعها أمام القوانين الطائفية ويرهن المرأة السورية لسلطة المقدس الطائفي.

التشريعات الخاصة بالمراة سواء المتعلقة بالزواج او الطلاق او النفقة او الحضانة تشريعات دينية صرفة مستقاة فقط من الفقة الاسلامي.

الرئيس السوري الهارب بشار الأسد كان صريحا جدا في رفضه لفكرة فصل الدين عن الدولة. وفي لقاء له مع القيادات الدينية في دمشق رفض رفضا قاطعا مسألة فصل الدين عن الدولة واعتبر أنها تعني فصل الدين عن المجتمع.

رفض النظام السوري الساقط لفصل الدين عن الدولة سببه أنه كان محتاجا للسلطة الدينية لكي يستطيع مواجهة الإسلاميين في المعارضة من ناحية، ولكي يفرض سلطته على الطوائف المختلفة في سوريا من ناحية أخرى.

النظام السوري لم يكن نظاما علمانيا بل كان نظاما اسلاميا طائفيا يؤمم الدين لمصلحة الدولة من أجل ترسيخ سيطرة النظام الحاكم على قلوب الناس وعقولهم.

ينطبق هذا على مصر وسوريا والمغرب والجزائر وكل الانظمة العربية مع استثناءات بسيطة في تونس.


** الخرافة الثانية أن العلمانية تضطهد الأديان

…………

 ليس هناك أضعف من هذه الخرافة.

فالأنظمة التي تضطهد الأديان هي الأنظمة الدينية. فعلى سبيل المثال لو قام نظام ديني في سوريا فهو بالضرورة سبكون نظاما إسلاميا.

ولأن الاسلام لا يمكن ممارسته إلا عبر المذاهب فالنظام سيكون بالضرورة نظاما سنيا يستبعد كل الطوائف الأخرى من الدروز والمسيحيين و الإسماعيلية والعلويين.

ليس هذا فقط بل أنه سيضطهد حتى الأغلبية السنية التي تدين بالمذهبين الشافعي والحنفي لأن الإسلاميين المسيطرين اليوم هم إسلاميو الجهاد الوهابي الحنبلي الإخواني المتمحور حول اجتهادات ابن تيمية وابن القيم وحول التجربة التاريخية للإخوان.

‏أما العلمانية فهي تعني الحيادية الدينية. أي الدولة محايدة تجاه كل الأديان وتتخذ نفس المسافة من كل المذاهب وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك دين مسيطر أو مذهب له سلطة أكبر من سلطة مذهب آخر .

** الخرافة الثالثة: أن العلمانيون اقصائيون

مثلهم مثل الاسلاميين

……….

يمكن تقبل هذه الخرافة كطرفة أو نكتة ناتجة عن مغالطة المساواة بين موقفين غير متساويين.

لكن لا يمكن أن تؤخذ على محمل الجد. والسبب في ذلك أن ما يطالب به الإسلاميون وما يطالب به العلمانيون مختلف اختلافا جذريا.

الإسلاميون يطالبون، سواء كانوا في السلطة أو في المعارضة، بالحكم الشمولي الثيوقراطي، و مصادرة الحقوق والحريات باسم الشريعة، ويرفضون الحريات الفردية والحريات المدنية ويقاتلون من اجل حبس المرأة في البيت، وحبس الطوائف غير الإسلامية في نظام الذمة واجبارهم على العيش كمواطنين من الدرجة الثانية.

لا يعترف الإسلاميون بالتعددية الدينية او السياسية ، ولا بالفكر الحر.

على العكس من ذلك. يطالب العلمانيون دائما بدولة مبنية على أساس المواطنة والمساواة في الحقوق والحريات بين كل المواطنين بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس أو المذهب.

ويطالبون بقوانين تضمن وجود انتخابات حرة ونزيهه وبحماية الحريات الشخصية والحريات المدنية للجميع.

هذا هو الفرق الجوهري بين المطالب العلمانية ومطالب الإسلاميين.

وبالتالي لا يمكن للعلماني أن يكون اقصائيا لأن العلمانية قائمة على أساس إدارة التنوع وحمايته وأخذ مساحة متساويه من جميع الاتجاهات الدينية والسياسية والايديولوجية والاجتماعية.