لدينا في اليمن تجربة طويلة في عبث قوى الإسلام السياسي (سنة وشيعة) بمناهج التعليم.
وما حصل في سوريا شاهدناه منذ سنوات، ومجرد مقدمة بسيطة لما هو قادم. بشكل عام تركز قوى الاسلام السياسي على التعليم كوسيلة لأسلمة المجتمع من الاسفل والتحكم في عقول الأطفال منذ سنوات الدراسة الأولى.
* كل المناهج سيعاد صياغتها بذهنية التحريم. أي اشارة الى الشمس او الطبيعة او الآلهة الوثنية والوطن والإنسانية ستحذف لانها تتعارض مع اللغة الدينية المقيدة والمحرمة للإسلاميين. حتى الفاظ مثل "تطور" و" مقدس" لا مكان لها.
* ما غاب عن الانتباه أن القائمين بأعمال وزارة التعليم حذفوا كل إشارة لظلم العثمانيين ومذابح جمال باشا والاشارات لانتفاضات العرب ضد العثمانيين. هذا سلوك اسلاموي عرفناه في اليمن ومصر وغيرها. فالحكم العثماني بالنسبة لهم كان خلافة إسلامية شرعية وأي تمرد عليها هو تمرد على الحكم الشرعي الاسلامي الصحيح.
سيعاد كتابة التاريخ من منظور ديني يستبعد أي قضايا أو معارك وطنية لا تتماشى معه. لكن تبجيل العثمانيين في المناهج مرتبط بالواقع الحالي والوصاية التركية الهائلة على الهيئة.
* توقعاتي أنه عند تأليف للمناهج الجديدة ستتضخم كتب السيرة (مع التوسع في وصف الغزوات والقتل والسبي)، وكتب الحديث والتفسير ( مع حشو الإعجاز العلمي)، وحتى المناهج العلمية ستراعي المحطورات الدينية واللغة الدينية المعتمدة. التاريخ الوطني سيصبح جزءا ممتدا من تاريخ الخلافة واللحظة الوطنية منذ الاستقلال عن الخلافة العثمانية حتى ديسمبر 2024 ستعتبر محرد خروج عن السياق الشرعي.
*باختصار، ستحاول الهيئة صياغة المناهج حسب الطبيعة المذهبية للمتغلب السني. لكن حتى داخل السنة هناك تعدد مذهبي واسع، لهذا سيخضع الجميع للاتجاه السلفي الجهادي مع تهميش الاجتهادات الاخرى للاسلام السوري التقليدي في بعديه الشافعي والحنفي. أما العلويون والدروز والإسماعيلية فلا مكان لهم لانهم يحتلون مكانة أقل من مكانة الذمي في المخيال الاسلامي الجهادي!
ولن تتفادى سوريا هذا السيناريو التشاؤمي إلا لو توحدت القوى المدنية والوطنية لمنع تكوين الدولة الطائفية العثمانية ودفعوا نحو تعليم وطني متحرر من الايديولوجيا والمذهبية الجهادية.