آخر تحديث :الخميس-09 يناير 2025-07:38م

في استهوال هيمنة آلهة الأحقاد الصغيرة

الخميس - 09 يناير 2025 - الساعة 01:56 ص

مصطفى ناجي
بقلم: مصطفى ناجي
- ارشيف الكاتب


عرفت الصديق مطيع دماج في أروقة جامعة صنعاء. جمعتنا لقاءات تحدثنا فيها عن الأدب وأفكار متناثرة. كان هذا قبل زمن بعيد.

يترك مطيع انطباعاً دامغا بالايجابية مع من يتحدث اليهم. يبدي اهتماماً وطيبة غير مصطنعة. لكنه يملك قدرة على التأثير ناتجة من اقتداره على وضع حقائق بسيطة الطرح لمعالجة سياقات مقعدة.


يمتاز بتفكير عملي بالاعتماد على ربط معارفه الموسوعية بمواقفه القيمية وحسه الوطني.

تفرقنا واصبحت لقاءتنا نادرة. لكنه بقي الحاضر في الهم الوطني.


كان الثورة الشبابية هي المنصة الملائمة كي يحضر فيها شخص كمطيع دماج بافكاره وضوابطه الشخصية وطالما كانت مسطرة التقييم لديه وغاية الجهد النضالي هي الوطن اليمني.


قبل أعوام قليلة، قابلت شباباً من خلفيات اجتماعية وفكرية عديدة وكنت ابحث عن الطرق والدوافع التي جعلتهم يغيرون مواقفهم انتماءاتهم الحزبية والسياسية ولم اتفاجأ ان يكون مطيع دماج احد هذه الشخصيات التي كانت وراء تغيير عميق في قناعات وتوجهات أفراد اخرين.


العمل السياسي في هذه المرحلة هو سقوط بين رحى طاحونة عملاقة.

لا تعمل هذا الطاحونة إلا بابتلاع الأنقى والمتحمس والموسوعي المعرفة والمثالي. أصدقاء كثر طحنتهم هذه المرحلة وفرمتهم وهي في طريقها نحو نهاية بائسة بعيون الحصاد الوطني. استحضر اسم الصديق عبد الهادي العزيزي على نحو خاصّ.


صَعَد مطيع في الوظيفة العامة متسلحاً بأمرين: إرث عائلي من الاشتباك مع القضايا الوطنية بشاعرية خالصة وحماس الإيثار من ناحية. وموقف وطني صلب في لحظة انهيار وشمول الفساد والشللية من ناحية أخرى.


الذين عملوا معه زادوا من قناعتي بصوابية تقديري الخاص له .

لكن الانهيار الذي حصل للبلاد منذ سنوات جعل من معايير كالنزاهة ، وصلابة الموقف ،والانضباط المعياري تجاه الوظيفة العامة ومحدداتها من لوائح وقوانين ليست المطلوبة بشدة في هذه اللحظة.


نحن أمام تقاسم غنائم. وإن كان مطيع دماج محسوبا على الاشتراكيين او يحظى بتقدير الناصرين فإنه ليس من ضمن "الشلة" المدافَع عنها مهما عظمت أخطاؤها.


كانت أخبار الخلافات التي نشبت في رئاسة الوزراء تصلني رائحتها متقطعة. وأدركت من اللحظة الاولى ان مطيع سيكون ضحية تناطح الكبار ولعبتهم المفضلة: لي الاذرع.

لا بد من ضحية جانبية في هذه اللعبة الشرسة. لانها تقوم اساساً على الانتصار للذوات وليس ارتكازا على القانون أو العرف الإداري. وفي احسن الاحوال تسوى الامر بقاعدة ثلثين بثلث. او بعبثية خالص: روما النيرون المحروقة.


مؤلمة الطريقة التي خرج فيها من مشواره المهني وبالنسبة لشخص يعتد بنزاهته سيما و البلاد بحاجة إلى من ما يزال ينظر إلى القانون واللوائح بمهابة ومن ما يزال يضع نصب عينيه الانتصار على الكهنوت واستعادة الدولة.


اتذكر موقفاً طريفاً من رواية رحلة بالداسار لأمين معلوف حيث يأخذ أحد الموظفين العثمانيين العاملين في سجلات الاحوال الشخصية رشوة من الناس أمام زملائه ثم يلحق بطالبي المعاملة عند باب المنشأة ويعيد لهم رشوتهم. ويقول انه في زمن لو لم يسر مع تيار الفساد لما استطاع الاستمرار في عمله.


لا اكتب رثاءا مبكراً انما اكتب عن شخص نراه منا واقرب إلينا في تصوراته وهمومه ويشترك معنا في التحدي الوجودي. اكتب عن الذوات العُزّل في زمن الاحتشادات المشبوهة .

أكتب لاشجب فن صناعة التكسير وعبقرية العزل والإقصاء، عن ضيق افق الاختلاف وعن تسييل القرار.

نحن نرثي ازمة وجودية في نظام الجمهورية اليمنية. ازمة عنوانها غياب الدفاع عن الصوابية والصوابية السياسية ، نهوض الارتجال والتشعيب.


نكتب لنستهول هيمنة آلهة الأحقاد الصغيرة كما لخص الأمر صديقي قبل عام وأكثر .


ستأتي أيامنا العطرة ولو بعد حين.