تحويل الفروق الدينية الملِّية إلى فروق سياسية، هذا هو ما يسمّى "طائفية"، وفي ظلها تغدو الجماعة الدينية وحدة سياسية مغلقة، أو فلنقل تغدو الطائفة تنظيماً شبيهاً بالدولة وليست دولة.
على العكس من ذلك، فالأحزاب بالمفهوم الديمقراطي الحديث أوعية مفتوحة، تفاعلية واختيارية، تنتظم الأفراد على أساس الإيمان المشترَك بمجموعة من الأفكار والغايات العمومية التي تسمو على الغايات الجزئية للروابط العضوية الموروثة، الإثنية والقُطرية والمذهبية، داخل إقليم الدولة.
الأحزاب بالأحرى "شبكات" توحيد ودمج،
وهي من ثمّ وسيلة لمنع التنوع الثقافي والمذهبي والقَبَلي والجغرافي، داخل الدولة، من أن يستحيل إلى تجزؤ سياسي انفصالي أو إلى انقسام طائفي أو عرقي إثني.
في حال لم تفِ التعددية الحزبية بالغرض، فالفيدرالية -أو أي شكل آخر من التنظيم اللامركزي- صيغة ثانية تنوب عن التجزؤ إلى دويلات صغيرة متنازعة، لكن هذه الصيغة لا تغني عن الصيغة الحزبية، بل تكمّلها وتعضدها.
وبهذا، فالفيدرالية حالة تنظيمية تسمح بالتجاور بين مجالين: مجال سياسي (وطني كُلّي) تعددي -من خلال الأحزاب، وآخر (محلي) ضمن الوحدة الفيدرالية الجزئية.
وظيفة الدستور الفيدرالي تنسيق وضبط العلاقة بين المحلي (الجزئي) والوطني (الكلّي).
وإذا كانت الغاية من الفيدرالية احتواء وتأطير النزعات الإقليمية الاستقلالية الحادة، فالغاية من الحزبية احتواء وتنظيم التنوع في الأفكار والرؤى والمصالح السياسية في إطار الكيان الوطني.
والفيدرالية تأتي إما عن طريق مأسسة واقع مجزَّأ سلفاً بانضمام وحداته المستقلة طوعاً إلى عقد دستوري اتحادي، أو عن طريق التحول التدريجي بقرار من الأعلى للوحدات الإدارية في دولة مركزية إلى وحدات فيدرالية.
نتحدث هنا عن الفيدرالية الجغرافية (القُطرية) التي تضم أقاليم محددة لكن متاحة للافراد من نفس الدولة للانتساب إليها بمجرد التوطن والعيش فيها،
وهو ما يميزها عن اتحادات إثنية كما في أثيوبيا أو طائفية كما في لبنان، وهذه الأخيرة تسمّى أحياناً "فيدرالية شخصية" خلافاً للفيدرالية الجغرافية