بعد نشر المقال المرفق أدناه بيوم واحد راسلني على الواتس الأستاذ شيخان عبد الرحمن محمد الدبعي الأمين المساعد للتجمع اليمني للإصلاح للشؤون المالية والتنظيمية، معترضا على ما ورد فيه، وقال لي: أنت تعلم أن الطاعة لله.
يعني أن طاعة النظام الخاص وجهاز المعلومات "مخابرات الإخوان/ الإصلاح" إنما هي طاعة لله.
والعكس، فعندما تعصي الأستاذ ياسين عبد العزيز القباطي فأنت تعصي الله، وحين تطيعه فقد أطعت الله.
...
المقال نشر قبل سنوات، وقد حاولت فيه تقديم قراءة لكيف يتم خداع عناصر وقيادات جهاز المعلومات "مخابرات الإخوان المسلمين-اليمن" وتحويلهم من أخيار إلى أشرار.
بإمكان أصحاب النفس الطويل في القراءة الاطلاع عليه..
* الصورة المرفقة للأستاذ شيخان الدبعي قبالة شاطيء الروشة، أمام صخرة الروشة، بيروت لبنان.
للعلم لقد زرت هذا الشاطيء والمكان مرارا عندما كنت أمثل معلمي اليمن في مؤتمرات التعليم العربية والدولية في بيروت، وهذا ما جعلني أعرف مكان صورة الأستاذ شيخان، وليس لأن عمار عفاش والمخابرات الأمريكية والبريطانية وموزنبيق وجزر القمر قالوا لي بمكان الصورة.
.........
*مخاطر الطاعة المطلقة..للجماعات تأثير الشيطان؟!* الحلقة(١)
*يحيى اليناعي:
في القرآن الكريم "وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ".
سمعنا كثيرا عن خطورة العصيان ونتائجه السلبية، لكن لا أحد حدثنا عن مخاطر الطاعة وآثارها المدمرة.
رغم أننا "حين نفكر في التاريخ الطويل القاتم للبشر سنجد أن أفظع الجرائم اُرتِكبَت باسم الطاعة أكثر منها باسم التمرد" وفقا لتشارلز بيرسي سنو.
لكن لماذا ينصاع الإنسان لسلطة ما في حالات تبدو فيها هذه الطاعة خطرا عليه وتتناقض مع دينه ومعتقداته أو مخالفة لمبادئه وضميره؟
في علم النفس الاجتماعي هناك اختبار مشهور سمي باختبار ملغرام، كان ستانلي ملغرام أول من شرحه في مقالة تحت عنوان "دراسة مخاطر الطاعة المطلقة" عام 1963.
أراد ملغرام من الاختبار أن يجيب على الأسئلة التالية:
كيف يمكن بسهولة تحريض الناس على ارتكاب جرائم بموجب أوامر تصدر إليهم؟
وإلى أي مدى يمكن أن يذهب الناس في طاعتهم للأوامر إذا كان ذلك ينطوي على إيذاء شخص آخر بريء.
يقول ملغرام "لقد أعددتُ تجرِبةً بسيطةً في جامعة ييل؛ لاختبارِ مَدى الألمِ الذي يُمكِنُ أنْ يُلحِقَه المواطِنُ العادي بشخصٍ آخرَ لمُجرَّدِ أنَّه شيءٌ أَمَرَ به عالِمٌ تجريبيّ!
أخذت طلبة متطوعين وأمرتهم بصعق آخرين كهربائيا، وأخبرتهم أنه مطلوب منهم ذلك لأنني أجري اختبارا بإشراف الجامعة.
بدأ الجميع بصعقة محدودة بقوة 15 فولتًا، الخطوة التالية هي زيادة 15 أخرى لتصبح 30، ثم 45، ثم 60، فقد واصلوا الصعق رغم صراخ الضحايا وإبداء الألم.
ومع تقدم الاختبار لاحظت أن وجود السلطة الموثوق بها أدى إلى غياب عقل كل المتطوعين، فقاموا بإجراء عملية الصعق الكهربائي بجهد 300 فولت، وقام 65% من الطلبة الآخرين المتطوعين بصعق ضحية بقوة 450 فولت في ظل وجود السلطة -مشرف الجامعة- داخل الغرفة.
كانت السلطة موجهة ضد أقوى الضرورات الأخلاقية للمشاركين، ضد إيذاء الآخرين ومع صرخات الضحايا، لكن السلطة فازت أخيرًا".
في مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" تأكيد بأن الانصياع للسلطة ينتصر غالبا على وازع الدين والأخلاق والضمير الإنساني.
وهو نفس ما انتهى إليه ملغرام الذي لخص نتيجة الاختبار قائلا: كان من الواضح أن الرغبة في إرضاء السلطة أقوى من الإحساس بالذنب وصراخ الضحايا.
الإحساس العميق بالواجب نحو السلطة متأصل فينا جميعًا.
ومن المرجح أن يتبع الأشخاص العاديون الأوامر الصادرة عن السلطة، حتى إلى حد قتل إنسان بريء.
فالنتائج كما تابعتها مقلقة، إنها ترجح أن الطبيعة البشرية غير جديرة بالاعتماد عليها لتبعد الإنسان عن القسوة، والمعاملة اللاإنسانية، عندما تتلقى الأوامر من قبل سلطة فاسدة.
نسبة كبيرة من الناس مستعدون لتنفيذ ما يؤمرون دون أخذ طبيعة الأمر بعين الاعتبار، وبدون حدود يفرضها الضمير، مادامت الأوامر صادرة عن سلطة شرعية".
في السيرة النبوية حادثة تؤكد صحة النظريات التي أثبتتها العلوم الجديدة بعد سلسلة اختبارات وتجارب طويلة.
روى البخاري (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار، فلما خرجوا وجد عليهم في شيء؛ فقال لهم: أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تطيعوني.
قالوا: بلى.
فقال: اجمعوا حطبا.
ثم دعا بنار فأضرمها فيه.
ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها.
فهم القوم أن يدخلوها!
فقال لهم شاب منهم: إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من النار فلا تعجلوا حتى تلقوا النبي صلى الله عليه و سلم، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوا.
فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه.
فقال لهم: لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا، إنما الطاعة في المعروف).
إن عبارة "فهمَّ القوم أن يدخلوها" تؤكد صحة مبدأ الإذعان للسلطة كسلوك بشري كامن إلى حد الاستعداد لإلقاء النفس في التهلكة.
اللافت في الحادثة أن شابا واحدا فقط هو الذي أوقفهم، بينما أذعن البقية بطاعة أميرهم.
لتفسير هذا يقول باحثون إن نشاط الدماغ يتضاءل عندما نتبع الأوامر.
يعاني الدماغ من إحساس منخفض، مما يعني أننا نشعر بمسؤولية أقل عن أفعالنا، وقد يجعلنا نعطل عقولنا وننفذ الأمر دون التفكير في سلامته وعواقبه.
يصور أحد الأفلام الوثائقية الذي استند إلى أحداث حقيقية، مدى سهولة دفعنا للقيام بأشياء فاضحة إذا اعتقدنا أن أحد الشخصيات الرسمية هو الذي يصدر الأوامر.
ثمة عامل آخر قد يوضح كيف أن جميع الصحابة في الحادثة لم يعترضوا على الأمير باستثناء شاب واحد، وهو أن الناس المنضوين في كيان واحد يغلب عليهم صفة الانصياع الأعمى لا الطاعة المبصرة.
ماهر رزوق يشرح ذلك أكثر بقوله "بصفتنا نوعًا اجتماعيًا، غالبًا ما نلائم سلوكنا ليتوافق مع مجموعات معينة.
يتطلب التوافق مع قاعدة المجموعة عدم التمييز، حيث يمكن للأفراد أن يغفلوا عن هويتهم وكيف يتصرفون بشكل طبيعي".
في كتابه روح الجماعات ينبه غوستاف لوبون لاستعداد الجماعات ومنتسبيها للتلقين والتصديق والتقلب السريع من الخير للشر والثأثر العميق والخضوع الأعمى، والقيمة السلبية للعقل.
يقول غوستاف إن "الجماعات تعمل وتنفذ أكثر مما تفكر وتراجع وتصحح، وإن الفرد الذي ينصهر في جماعة تتلاشى شخصيته وتتجه أفكار كل واحد من أولئك الأفراد نحو صوب واحد، إلى حد أن الشخص يعطل عقله ويتجه نحو القيام بسلوكيات لم يكن يقدر على ارتكابها لولا تواجده ضمن جماعة ما".
حفظنا أنه يسع الفرد ما لا يسع الجماعة، وغاب عنا أنه ربما يتحول داخلها إلى مجرم وأفاك لأنها توفر له ظروف الانفلات، في حين ليس باستطاعته ذلك خارجها.
المؤمل من بعض الجماعات أنها تقود الفرد للسمو الأخلاقي والإنساني وتلجم النوازع الشريرة، لكن ذلك لا يحدث دائما، فقد يكون الفرد صالحا ومصلحا وصاحب دين وأخلاق ومروءة وضمير وشهامة، لكنه ينخرط في جماعة ما فتفسده الجماعة وتحوله إلى شخص سيء لا يرعى للناس ذمة.
يقول زيمباردو إن للجماعة تأثير الشيطان، وقد تحول الأخيار إلى أشرار وشذاذ آفاق.
لكن كيف يحدث ذلك؟
في كتابه فن الإغواء يتحدث روبرت غرين عن أكثر الطرق الدقيقة في الإغواء الجمعي قائلا " يجر القائد الأفراد لأن يصطدموا بالخطيئة والمحظور، لأن جعل الضحايا يشعرون بأنك تقودهم لتخطّي القيود الاجتماعية والمحرمات الدينية هو شيء في غاية الإغواء.
الناس يتوقون لاكتشاف جانبهم المظلم.
بمجرد ما تستيقظ الرغبة بالانتهاك والإثم باجتذاب الضحايا نحوك، يصبح من الصعب عليهم أن يتوقفوا.
لذا خذهم إلى أبعد مما يتخيلون في انتهاك المحظور، فالشعور المشترك بالذنب والاشتراك بالجريمة سوف يخلق رابطًا قوّيًا".
في الحديث السابق قال الأمير للصحابة "قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني" وهذا يلفت إلى أن السلطة عادة ما تلجأ لتبرير أوامرها المحرمة والمجرمة وتقوم بإكسابها شكلا دينيا.
فأخلاقياتها وممارساتها تتغذى على الخطاب الأيديولوجي الذي يعيد توجيه قواعد الأخلاق بما يناسب ممارسات وقرارات السلطة ذاتها، وليس بما يأمر به الإسلام والعقل والمنطق.
للسلطة بريق وسحر وسطوة وسلطان ونفوذ عميق على الخضوع لأوامرها، بما قد يجعل من الأتباع يتسابقون في إطاعتها وإرضائها مدفوعين بقناعات ورغبات وأهواء ومطامح ومطامع وتبريرات شتى.
ونظرا لسحر تأثيرها حتى على الملتزمين دينيا وأخلاقيا، واستعداد الناس اللامحدود للذهاب إلى أبعد مدى في الإذعان لها.
أتى جواب النبي عليه الصلاة والسلام زاجرا وحازما ومتوعدا من يطيع أميره طاعة عمياء بالخلود في النار.
"لو دخلوها -أي النار- ما خرجوا منها".
وكان رده قاطعا وحاسما ليقرر القاعدة الشرعية في مواجهة أية سلطة، وهي: (إنما الطاعة في المعروف).
حتى لو كانت هذه السلطة سليمة الشرعية، لا يحق لها الأمر بما يخالف المقرر من قبل سلطة الله العليا.
ذلك أن للسلطة تأثيرها وخطورتها على الآمرين والمأمورين معا.. وبديهي أن يبلغ التأثير والخطورة مداهما عندما يتطرق إليها خلل، سواء من جهة الآمر أو من جهة المأمور أو من جهة الأمر نفسه.
ما يلفت في السيرة والأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يتوعد أحدا بالنار لأنه عصى أوامر قائده وسلطته من البشر.
حتى حين عصاه الرماة في غزوة أحد وتسببوا بقتل 70 من صحابته لم يتوعد أحدا منهم بالنار.
لكنه فعل ذلك مع من يطيعون طاعة عمياء، وتوعدهم بجهنم وبئس المصير.
ذلك أن للطاعة المطلقة مخاطر عظيمة وكارثية أكبر بكثير من خطر التمرد والعصيان.
إن وجوب الطاعة ولزوم الجماعة لا يعني بأي شكل من الأشكال، وتحت أي ظرف من الظروف، الانصياع للسلطة بشكل أعمى.
فالإسلام كان حاسما في تحريم وتجريم الطاعة المطلقة للبشر، حتى لو كانوا علماء أو أمراء، وتوعد من يتحول إلى "عبد مأمور" بالعذاب الشديد.
قال تعالى (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا، وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا).
بالعودة إلى اختبار ملغرام، نجد أن معظم الطلبة المشاركين فيه كانوا يعرفون أن ما يقومون به ليس صواباً، وأنهم كانوا يكرهون تقديم تلك الصَّدمات الكهربائيَّة للضحايا.
خاصة عندما يعترض ضحاياهم على ذلك.
يقول ملغرام "ورغم اعتقادهم بأنَّ التجربة وحشيَّة وخالية من المعاني؛ فلم يستطع معظمهم الانسحاب منها؛ بل طَوَّروا لديهم آليَّاتِ تَوافُقْ لتبرير ما يفعلونه، ومن هذه الآليَّات:
- الاستغراق في الجانب الفَنِّي من التَّجربة؛ فالنَّاس لديهم رغبة قويَّة للتَّمَيُّزِ في أعمالِهِمْ؛ لذلك فقد أصبحت التجربة والنَّجاح فيها وأداؤُها بنجاحٍ أهمّ من راحة المُشاركين فيها.
- تحويل المسؤوليَّة الأخلاقيَّة عن التجربة - في شُعورِ من يقوم بدور المُعلِّم وهو الَّذي يقوم بدور تقديم الصَّدمات الكهربائيَّة - إلى المُشرفِ عليها.
ويُلَخِّصُ الدِّفاع بتعبير "أنا كنتُ أتبع وأُنَفِّذُ الأوامر فقط".
وهذا كان الدِّفاع الّذي اعتادتْ محاكم جرائم الحرب سماعه.
لمْ يفقد المشارك بالتجربة حسه الأخلاقي ولا ضميره هنا؛ بل حولهما إلى رغبة لإسعاد الرَّئيس أو القائد.
- قناعة وقرار المشاركين في التجربة أنَّ سلوكيَّاتهم الخاطئة هذه مطلوبة كجزءٍ من قضيَّة أهم، ومن أجل خدمة قضية أكبر.
وبالتالي يظنوا بسذاجة وغباء أن سلوكياتهم المنحرفة مبررة وجائزة ما دامت تخدم قضية مهمة وكبيرة.
لقد كانت الحروب في السابق تندلع لأسبابٍ دينيَّة أو بسبب عقائد سياسيَّة، وكانت الحرب في هذه التَّجربة من أجل العلم.
- التَّقليل من إنسانيةِ متلقي الصدمة الكهربائية.
بالقول: " لو لم يكن غَبِيَّاً لدرجة عدم تمكنه من حفظ بضع كلمات؛ لما استحق العقاب" وهذا التقليل من الذَّكاء أو من الشخصية كثيراً ما يستخدمه الطغاة ليشجعوا أتباعهم على القضاء على جماعات بشرية بكاملها.
حيث يكون التوجه السائد هو أن هذه الجماعات لا تساوي الكثير : لذلك فإن القضاء عليهم ليس بالأمر الكبير .
بل إن القضاء عليهم سيجعل العالم مكاناً أفضل.
وربما كانت أغرب نتيجة لهذه التجربة هو ما قاله ملغرام نفسه: "من أنَّ المشاركين في التجربة لم يفقدوا حِسَّهم الأخلاقي بل أعادوا توجيهه: و بذلك أصبح واجبهم وولاؤهم للقائم على التجربة وليس للمباديء والضمير ومن يصدمونهم بالكهرباء، ولم يكن هؤلاء يستطيعون الخروج من التجربة لأنهم رأوا أنَّه -ويا للعجب- سيكون من غير اللائقِ أن يعارضوا توجيهات المُشرف على التجربة.
لقد شعر هؤلاء بأنهم لابد أن يكملوا التجربة وإلاَّ ظهروا بمظهر من يخلف وعده، و ذلك لأنَّهم وافقوا من البداية على المشاركة فيها!!
ثمة آية في سورة العنكبوت تحكي أن الناس قد يتخذوا آلهة وأصنام حتى يتقربوا من أشخاص آخرين.
(إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ).
المشكلة "عندما تفكّر أن الأوثان أشكال حجرية فقط، وتنسى إنّها ممكن تكون نظام أو أيدولوجية أو حزب أو شلّة أو شهوة.
من الأحاديث التي تلفتني، قول النبيّ الكريم عليه الصلاة والسلام: كُلُّ النّاس يَغدو.. فبائعٌ نَفسَه، فَمُعتِقُها أَو مُوبِقُها.
قد يبيع نفسه ليُرضي الآخرين، أو ليُثير إعجابهم فقط.
قد يبيع نفسه للحُكّام والأنظمة عبر الذُلّ والخضوع" حسب محمود أبو عادي.
يقول أحد المفسرين "هذا يقع في الجماعات فيسترضي الصاحب صاحبه على حساب الحق، ويرى أمر الحق أهون من أن يخالف عليه صديقه.
مع أن الحق لا يقبل تهاونا ولا استرخاء ولا استرضاء.
ثم يكشف لهم عن صفحتهم في الآخرة، فإذا المودة التي يخشون أن يمسوها بالخلاف على الحق، إذا هي يوم القيامة عداء ولعن وانفصام:
(ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا).
يوم يتنكر التابعون للمتبوعين، ويكفر الأولياء بالأولياء، ويتهم كل فريق صاحبه أنه أضله، ويلعن كل غوي صاحبه الذي أغواه.
ثم لا يجدي ذلك التلاعن شيئا ولا يدفع عن أحد عذابا:
(ومأواكم النار وما لكم من ناصرين).
في الدنيا عادة ما يقول أصحاب السلطة للأتباع والسذج والمغفلين (اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) أي نفذوا أوامرنا وسندافع عنكم ونحميكم من الضرر والفضيحة ونلبي لكم كل ما يحقق المتعة والرفعة والراحة المتوهمة.
لكن الله يغلق هذا الباب من أبواب الفتنة، فيعلم الناس أن الله لا يحاسبهم كجماعات، إنما يحاسبهم أفرادا، وأن كل امرىء بما كسب رهين.
فيقول جل جلاله: وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء، إنهم لكاذبون، وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم، وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون".
من المهم أن ننبه إلى أننا لا نقلل من أهمية الطاعة المبصرة لنجاح أي عمل جماعي وفاعليته واستمراره.
في الحياة نحب أن نعتقد أن بوسعنا اتخاذ القرار الصائب في المواقف الصعبة.
لكن القيمة والقوة الحقيقية ليست في التزام الطاعة وإنفاذ الأوامر فحسب، بل في القدرة على مواجهة التأثير الطاغي للسلطة وكبح جماح الانصياع لها فيما يخالف الدين والأخلاق والقوانين والضمير وما يؤذي الناس.
أن نخالف الأمر إذا لزم الأمر، أو ندافع عن شخص مظلوم عندما نرى شخصا آخر يستضعفه، أو نرفض تنفيذ الأوامر التي نشعر أنها جائرة.
وأن نصبح أصعب مراسا، وأكثر تمسكا بديننا وأخلاقنا ومبادئنا إذا اقتضت الضرورة.
فهل يمكن أن يتعلم الناس تحدي الأوامر الفاسدة أو الظالمة؟
