يتحسر المزارع محمد فتيني (55 عاماً) من الوضع البائس الذي وصل إليه حد أنه أصبح عاجزاً عن تسديد قيمة غذاء أبقاره، مصدر رزقه ورزق أولاده الـ7.
قبل نحو 10 أعوام، كان فتيني والآلاف أمثاله يعملون ضمن مشروع متكامل في إنتاج الألبان المحلية في محافظة الحديدة قبل أن تستحوذ عليه مليشيات الحوثي مؤخراً بطريقة مباشرة وغير مباشرة وتجني منه سنوياً أكثر من 16.5 مليار ريال يمني باعتراف الجماعة نفسها.
فما القصة؟
قبل اجتياح مليشيات الحوثي للحديدة، كان فتيني واحدا من آلاف المزارعين المستفيدين من مشروع إنتاج الألبان التابع لجمعية مزارعي وزرائب الأبقار في الحديدة والتي تتعاقد مع مصانع إخوان ثابت لشراء الحليب الطازج.
يقول فتيني لموقع العين الإخبارية، إنه كان هناك "مشروع متكامل من حيث الأحواش ومياه الري والمستودعات والمساحة وانتقل مع آلاف المزارعين وملاك الأبقار لمنطقة قرب كيلو 16 في الحديدة" وكان يعتمد على ما تنتجه أبقاره من حليب في عيش أسرته كاملة.
ويضيف أن الجمعية كانت تتعاقد مع مصانع أخوان ثابت وكان الإنتاج يصل يوميا من 150 إلى 200 ألف لتر أو يزيد تقريبا وكان سعر اللتر تقريبا بـ300 ريال ولاحقا ارتفع إلى 400 ريال لكل لتر حتى أواخر 2014 وقدوم الحوثيين.
عند قدوم المليشيات للحديدة فرضت 20 ريالا كمجهود حربي على كل لتر واحد من الحليب الطازج وذلك بطريقة غير مباشرة وبشكل غير رسمي، بالإضافة لـ20 ريالا أخرى زكاة قبل نهبها للمشروع برمته وتسخيره لصالحها.
وأوضح المزارع فتيني أن مليشيات الحوثي لم تكتفي بوضع يدها على مشروع إنتاج الألبان الذي يخدم الآلاف، بل وصادرت أرصدة وأصول "جمعية مزارعي وزرائب الأبقار في الحديدة" بالإضافة لنهب مصنع ألماني حديث كلف الحكومة اليمنية سابقا 2 مليون دولار.
وأشار إلى أن "منتجي الألبان أصبحوا مؤخرا يقعون بين سندان الفقر ومطرقة استغلال المجمعين للألبان الذين نصبهم الحوثيون والذين يستقطعون مبالغ كبيرة بالإضافة للإتاوات التي تفرضها المليشيات على كل لتر واحد من الحليب الطازج".
استحواذ كامل
ومن أجل الاستحواذ على مشروع الألبان بالكامل، شيد الحوثيون كيانات رسمية وغير رسمية تعمل كجهات وسيطة بين منتجي الألبان ومصانع الألبان الخاصة التي تشتري الحليب الطازج وتعيد إنتاجه في مدخلاتها.
ورمى الحوثيون بالآلية السابقة (البيع المباشر من المنتج إلى المصانع برعاية جمعية المزارعين) عرض الحائط وفرضوا آلية جديدة لشرعنة الإتاوات الباهظة على منتجي الألبان من جهة وعلى المصانع من جهة أخرى بذريعة خفض فاتورة استيراد بودرة الألبان البالغة "333 مليونا و323 ألفا و943 دولاراً"، وفقا للجمارك الحوثي.
و من هذه الجهات التي شيدها الحوثيون "المؤسسة العامة للخدمات الزراعية" والتي تزعم أنها تقوم بتقديم "التسهيلات والقروض لجمعيات منتجي الألبان" ويتم خصم فاتورة هذه الخدمات بشكل أسبوعي.
كما شيد الحوثيون 12 جمعية في الحديدة تعمل في جمع الحليب من المزارعين يتفاوت حصتها من 321 لترا إلى 37262 لترا لكل جمعية ثم نقله إلى مصانع الألبان (مصنع نانا، مصنع يماني، مصنع نادفوود) ويتم إجبار هذه المصانع على شراء الحليب بالقوة وابتزازهم بأن استيراد بودرة الحليب تعد "دعم مباشر للغرب"
كما قامت المليشيات بتنصيب موالين لها رؤساء لهذه الجمعيات التعاونية وهي الكشوبع، والدريهمي، والزرائب، والمنصورية، والريف، والاكتفاء، وبيت الفقية، والزهرة، والسخنة، وباجل، زبيد والجراحي.
وباعتراف مليشيات الحوثي نفسها فإن هناك 6 آلاف و300 مزارع يملكون نحو 20 ألف بقرة تقريباً تنتج نحو 110 آلاف لتر حليب يوميا فيما يتم بيع اللتر الواحد بين 420 و450 ريالا لمصانع الألبان الثلاثة، وفقا لما حددته المليشيات.
وبحسب مصدر العين الإخبارية فإن مليشيات الحوثي تستقطع من قيمة كل لتر واحد 20 ريالا كمجهود حربي و20 زكاة و5 ريالات لصالح كيان "المؤسسة العامة للخدمات الزراعية" و5 ريالات لصالح كيان يدعى "الاتحاد العام التعاوني الزراعي" و50 ريالا بزعم "المصلحة العامة" ودفع فاتورة مرتبات الموظفين الحكوميين.
وأشار إلى أن بقية المبلغ 350 ريالا يتم تقاسمه بين الجمعيات الذي شيدها الحوثيون لجمع الألبان والمزارعين المنتجين للألبان الذين يقف غالبيتهم عاجزين عن تسديد قيمة الأعلاف للمتعاملين معهم بطرق الدين الأسبوعي وكذا القروض الذي أغرقتهم بها المليشيات، كما هو حال فتيني.
تبدد الحلم
كشف مصدر في مشروع انتاج الألبان بالحديدة إن المليشيات نهبت "مشروع مصنع كامل بدعم ألماني وحكومي، حيث قام خبراء ألمانيون بتشييد المصنع الآلي الذي كان هدفه استقبال وبسترة الحليب وتسويقه" تحت اسم "حليب وادي سهام".
كما نهبت مليشيات الحوثي مستودعا كان يضم "محلبا آليا" بأدوات متكاملة وكان تحت التركيب والإنشاء.
وأوضح المصدر "أن مليشيات الحوثي قامت بأكبر جريمة في حق مشروع الألبان بعد نهب المصنع المتكامل الذي كان يكلف 2 مليون دولار، وقامت بتفكيكه قطعة قطعة بما في ذلك آلات استقبال الحليب وأحواضها وآلات البسترة وما بعد البسترة وآلات التعبئة والتغليف وتم نقله بعيدا عن تهامة".
وأضاف: "المصنع كان أهم منجز داخل مشروع الألبان في الحديدة وحلم المزارعين للتحرر من العقود مع مصانع إنتاج الألبان التابعة للقطاع الخاص، كون عملية الشراء كانت مجحفة بسعر اللتر الواحد والناس ليس لديها بديل غير هذه المصانع لشراء المنتج".
وكان الحوثيون قد دمروا مزارع البون في عمران ومزرعتي ظفار والصفا للألبان من خلال الجمعيات التعاونية وبتواطؤ ومشاركة من قبل "الاتحاد التعاوني الزراعي" التابع للجماعة المدعومة إيرانيا وهو حال أصبح يهدد مشروع ألبان الحديدة ويتربص بآلاف المزارعين.