آخر تحديث :الأحد-09 مارس 2025-02:48ص

لماذا اشاهد مسلسلات يمنية ؟

الجمعة - 07 مارس 2025 - الساعة 12:45 ص

مصطفى ناجي
بقلم: مصطفى ناجي
- ارشيف الكاتب


لماذا اشاهد مسلسلات يمنية ؟

او الدراما اليمنية والتواصل العابر للاوطان


في سنواتي الأخيرة صرت أحرص على مشاهدة عمل او عملين على الاقل بشكل منتظم من الاعمال الدرامية المتلفزة اليمنية.


هذا الحرص له دوافع عديدة منها ما هو ذاتي جدا ومنها ما هو حتمي. سأبدأ بواحد من هذه الدوافع وهو على صلة بالمنفى والاغتراب والهوية والأطفال وهذه مسائل تشغل يمنيي الخارج في المقام الاول وربما تشغل يمنيي الداخل ممن قد يطرحون على أنفسهم سؤال هوية أطفالهم المعرضين لسيل جارف من المواد المتلفزة والأفلام المدبلجة او بلغات اخرى وبالطبع بلهجات اخرى او اصبحوا مدمنين للتيك توك وبقية الوسائل السمعبصرية غير اليمنية .


بعد سنوات من اغترابي ومنفاي أجدني في حالة ارتباك لا مثيل لها عندما ارى أبنائي تنثال عربيتهم او يمنيتهم من بين أناملهم. احمّل نفسي مسوؤلية كبيرة وليست قادراً على فعل شيء في بلاد نظامها التعليم ينطوى على سطوة غير اعتيادية .

في فرنسا تبدا دراسة الطفل في عمر ثلاث سنوات وفي الابتدائية وحتى الثانوية يبدأ التعليم يومه في حوالي الثامنة صباحا ويعود الطفل البيت الساعة الخامسة عصرا او بعدا ذلك. بمعنى آخر ان ثلثي يومه في حالة الصحو يقضيها في مدرسة خصصت لتعليم الفرنسية والهوية الفرنسية.


وبسبب الحرب والظروف التي نعرفها جميعا لم يعد بوسعنا ان ناخذ أطفالنا إلى اليمن أو إلى بيئة يمنية او حتى عربية يمارسون ويتعلمون فيها العربية.


لماذا العربية ؟ لأن العربية بالنسبة لي لغة وجدان تربطني بأولادي. علاقتي بهم ليست علاقة مدير مع موظفيه يمكن ان تتلخص بلغة ادارية تصل فيها التعليمات او الطلبات بتوجيهات مقننة.


العلاقة العائلية علاقة شعورية في المقام الاول.

وكلمة نعم بالعربية ليست مثل كلمة yes او oui

داخل الاسرة. لانها ليست مجرد اشارة على الموافقة او الاستجابة أنما هي شحنة من المشاعر.

فاذا كنا لا نشترك بقناة واحدة لايصال هذه الشحنة فان الفاقد كبير.


الأمر لا علاقة له بسوق العمل والجدوى من العربية وما إلى ذلك من الاسئلة الخشبية. هي مسألة من مقام إنساني ووجداني.


رغم جهودنا في البيت على تعليمهم العربية عبر كتب جلبناها من اليمن وأخرى استعرناها من الأصدقاء . إلا ان هذا يكفي. لن يحصلوا على خطاب الجد او الجدة على تعابير الأعمام والاخوال او على اللغة المشتركة التي يخلقها الأتراب فيما بينهم.


ولذا فإن الدراما هي حلقة وصل وهي الجزء الناقص او ننظر اليها على هذا النحو.


تعيد هذه الدراما ربطنا باليمن؛ بلهجات اليمن، بصور للناس و المدن، للجبال للشجر والحجر في اليمن.

بقضايا بالبلد وهمومها وروحها التعبيرية وذهنية في التعامل مع المواقف والاحداث. بالبناء الاجتماعي والتحديات الذهنية اساليب الحياة العلاقة بين الجنسين والتعبير عن العواطف مكانة الحب في البيت التصرف في السوق الخ.


نشاهد في البيت مسلسلاً واحدا على الاقل مع بعض. يرسوا الاختيار على مسلسل هو الذي يلبي حاجتنا تلك.


فإذا بهذا المسلسل يقدم لنا مجتمعا كله صراخ في صراخ. مواقف غير منسجمة ولا منطقية. قصة مبتورة، منبرية ساحقة او فراغ وخواء فني وفلسفي، انفعالات في غير محلها. ناهيكم عن الصراخ والقتل والدم والحروب وحياة العصابات ، او شخصيات لا تنمو نموا طبيعا في حياة المسلسل. ناهيك عن وجوه بتعابير غريبة؛ ذاك يعوج فمه والآخر يطوي حواجبه.وثالث يغمز مع كل كلمة ورابع يلوي عنقه. أعمال درامية كلها تشمّاق وتلمّاق.


لا هؤلاء ككل اليمنيين ولا ككل الناس في العالم ولا ككل فناني العالم.


كيف استطيع ان اقنع أطفالي ان هذه اليمن وهؤلاء هم اليمنيين.


الدافع الاخر لمشاهدتي المسلسلات اليمنية هو اني شخص اعيش يمنيتي بكامل حضورها وكل وتفاصيلها. اتحدث لغة القوم واقترب منهم واحاول ان افهمهم واتعرف على نتاجهم اكتشف المناطق واللهجات والإنتاج الادبي الشعبي وغير الشعبي. اقرأ كتّابه واستمع لمغنيه واشاهد إنتاجه الدرامي. هذا اقل ما يمكنني فعله. لا استطيع الاستعلاء على هذا الحدث.

انتقد هنا واشيد هناك. أرضى وامتعض . أقارن واقيس استوعب التحديات وراء انتاج كل عمل والسياق العام وتأثير الصراع على الدراما وحالات الاستقطاب وتشظي المجتمع وضعف البنية المؤسسية وجشع رأسمال والتهافت على البث قبل التمحيص وغياب محترفات الكتابة والمزاج السلطوي وراء انتاج الأعمال الدرامية وعدم احترام التخصصات واستغلال الممثلين .


بالطبع هناك دراما عالمية ذات انتاج عال وقدرات فنية لا نظير لها ويمكنها ان توفر لي المتعة الخالصة. لكنها ليست كل العالم ولن تعيد تعريفي بيمنيتي التي اعيش واتفاعل معها بشكل يومي.


احرص ما استطعت على مشاهدة اعمال سينمائية عالمية بالفرنسية والإنجليزية وبالتأكيد بالعربية. حتى لا انغلق على نوع معين. وانا شخص لا يحب التلفاز في الأصل مع هذا اشاهد من هاتفي مسلسلات عربية وافلام اجنبية من حين لاخر.

وبروح الاكتشاف اشاهد الاعمال الدرامية اليمنية.

ليس لدي حكم مسبق من الدراما او السينما المصرية او التركية او الإيطالية او حتى الكورية. بالطبع هناك تفضيلات وهناك سطوة ثقافية.


علاقتي بالحياة اليمنية لا تتلخص في استهلاك صرف غرضه البحث عن المتعة الخالصة ناهيك عن ان اي انتاج فني هو فعل ثقافي يحمل سلطة ويكرس وعيا.


ثم اني اشاهد مسلسلات يمنية ضمن التزام ثقافي. واكتب انطباعاتي بعد مشاهدة عمل ما.


ما أزال محتفظا بأمل كبير بازدهار الدراما اليمنية وممتن للممثلين الواعدين القادرين على صقل مهاراتهم وشخصياتهم بالتعلم الدائم والتواضع .


هذه خواطر اولية وحتى ينتهى شهر رمضان قد اعود واكتب مجددا عن الأمر


مصطفى ناجي.

من صفحة الكاتب على موقع فيس بوك