آخر تحديث :الأحد-09 مارس 2025-04:27م

يحيى مصلح.. أسد من جبال ريمة

الأحد - 09 مارس 2025 - الساعة 01:52 ص

د. ثابت الأحمدي
بقلم: د. ثابت الأحمدي
- ارشيف الكاتب


الإنسان ابن بيئته كما يُقال، وبيئة ريمة الخضراء بجبالها الشامخة وشماريخها الشماء أنجبت جبالا من عظمائها الأحرار على مختلف الصعد، من سياسيين وعسكريين ومثقفين، ساهموا مع رفاقهم الأحرار من أنحاء اليمن في المقاومة والنضال وفي البناء والتحديث، من وقت مبكر، ولا يزالون إلى اليوم أسودا كواسر في جبهات النضال والكفاح، ونجوما مضيئة في منصات التوعية والتثقيف. ولا سيل إلا من جبل، كما في المثل الشعبي.


بين يدينا في هذه التناولة رائد من رواد النضال، وأسد من أسود سبتمبر العظيم، المناضل اللواء يحيى مصلح مهدي علي العُمري، المولود في قرية البرار، عزلة عُدّن، مديرية الجبين، في يوليو من العام 1938م، وفيها تربى ونشأ وترعرع، معاينا طبيعة البطش الإمامي المتوحش بالرعية.


انتقل مع والده إلى الحديدة، والتحق بأحد كتاتيب "المراوعة" شرق الحديدة، وفيها تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب واللغة وعلوم الدين، بذهنية فتى متطلع طموح، استطاع بعد ذلك أن يشق طريقه بثقة وكفاءة عالية. وفي مدينة الحديدة أكمل الثانوية العامة.


في العام 1957م التحق بالكلية الحربية بصنعاء، وكان قريبًا جدًا من كبار الضباط الذين اشتركوا في ثورة 1948م، أمثال الشهيد قاسم الثور، والعميد عبدالله الضبي، والمشير عبدالله السلال، قائد الثورة اليمنية سبتمبر 1926م.


قامت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 62م، وبعدها انخرط في صفوف المناضلين الأحرار باستماتة وبطولة، إذ غادر الحديدة عقب قيام الثورة إلى صنعاء، ومنها توجه فورا إلى حجة، بعد أن سمع عن توجه الإمام المخلوع إليها.

وفي حجة ابتدأت أولى فصول بطولاته التاريخية، في مطاردة فلول المخلوع البدر، واستطاع حسم الموقف العسكري في حجة خلال أيام قليلة فقط.


ذكر المؤرخ حيدر علي ناجي العزي أنه منذ انطلاق الشرارة الأولى للثورة لم ينس هذا القائد الذي يقود المعارك الميدانية أن عليه واجبًا آخر، متمثلا في استغلال نفوذه وتأثيره على أبناء منطقة ريمة لتحريضهم ودفعهم للتجنيد والالتحاق بخنادق الشرف والبطولة، لتحقيق النصر المؤزر، فتواصل مع مشايخ ريمة وأعيانها، وتم تجنيد أكثر من ألفي جندي في أول دفعة، ساهموا في تحقيق النصر في معارك عديدة في حرض ووشحة والجميمة، ودافعو ببسالة..


سجل المناضل يحيى بطولات عسكرية ناجحة، بشهادة الكثير من أقرانه، وبعد حسم الموقف عسكريا لصالح الثورة في مدينة حجة وما جاورها عاد إلى صنعاء، والتقى الرئيس السلال الذي شكره على ذلك، طامعًا منه بالمزيد، موجهًا إياه بعدها بالانطلاق إلى جبهات جحانة وثوابة والعرقوب والأعروش وصرواح، وفي جحانة، التقى أبا الأحرار الشهيد مع محمد محمود الزبيري، ورافقه إلى خولان، حيث عملا معا هناك في الدعوة للثورة وتحشيد القبائل وتوعيتهم، مواصلا العمل في الجبهات العسكرية. وحين تأسست بواكير الحرس الجمهوري عقب قيام الجمهورية عمل على تحشيد الشباب من أبناء القبائل من ريمة والحديدة وإلحاقهم بجبهات النضال في مختلف مناطق المواجهات، وبالجيش النظامي أيضا، كما عمل مدربا للملتحقين الجدد؛ حيث كان يتم إعدادهم قتاليا في دورات مكثفة لأيام أو أسابيع، ثم إلحاقهم بجبهات النضال لمواجهة فلول الإمامة.


سافر إلى القاهرة، وأخذ فرقة قادة كتائب هناك، في العام 64م، ثم عاد إلى اليمن، فتم تعيينه قائدًا لإدارة تدريب الجيش، لما يقارب السنة، وعاد مرة أخرى إلى القاهرة، وهناك درس أركان حرب، وتخرج عام 66م، وكان أول ضابط يمني يحصل على شهادة الماجستير في العلوم العسكرية.

بعد عودته من القاهرة للمرة الثانية تم تعيينه قائدًا للمركز الحربي في تعز، وفيه عمل على تأهيل وتدريب الشباب من أبناء تعز وغيرهم في الحرس الجمهوري، وظل هناك حتى العام 67م، حيث تم استدعاؤه إلى صنعاء حين اشتد حصار السبعين يوما، وتولى منصب رئيس عمليات الجيش، وكان من قادة عمليات فك الحصار إلى جانب القادة الثوار الآخرين من الشباب الذين استبسلوا في الدفاع عن الجمهورية في هذه المعركة الفاصلة. وتقديرا لبطولاته العسكرية تم تعيينهملحقا عسكريا في سفارة اليمن بالقاهرة حتى أغسطس من العام 1968م.


بعدها تم تعيينه قائداً للواء صعدة، في عام 1970م، كما تم تعيينه عقب ذلك عضوًا في مجلس الشورى، ممثلاً للقوات المسلحة، بقرار من رئيس المجلس الجمهوري الرئيس عبدالرحمن الإرياني.


وظل في هذا المنصب ممثلا عن القوات المسلحة، حتى كانت حكومة الدكتور حسن محمد مكي في العام 1974م، آخر شهور الرئيس الإرياني، حيث تم تعيينه وزيرا للتموين والتجارة.


عقب قيام حركة 13 يونيو التصحيحية تم تعيينه عضوا في اللجنة العليا للتصحيح التي شكلت بقيادة الرئيس إبراهيم الحمدي وكبار الشخصيات اليمنية. وكان من المتأثرين كثيرا بالرئيس إبراهيم الحمدي، ومن أقرب الناس له. وفي عهده شغل محافظا للواء ذمار، ثم إب، ثم محافظا للواء صنعاء، وكان نعم المثل الذي يُضرب به في الحزم واحترام النظام والقانون.


خلال هذه الفترة أسس هيئة تعاون قضاء ريمة، القضاء الثاني بعد الحجرية يومها، ومعه كوكبة من رجالات المنطقة، أبرزهم الوالد المناضل طلال يحيى زيد الذي كان سكرتير الهيئة، وخلفه في نفس المنصب، قبل أن يستقل بهيئة تعاون مديرية الجعفرية.

تم تعيينه سفيرا ومفوضا لدى جمهورية تشيكوسلوفاكيا في أغسطس من عام 1979، وحتى 1982م، وفي عام 1982م تم تعيينه سفيرًا ومفوضًا فوق العادة لدى دولة قطر الشقيقة.

في العام 1983م عاد إلى اليمن، وتم تعيينه محافظا لمحافظة صعدة خلال الفترة ما بين 1983 – 1984، ثم محافظا لمحافظة ذمار مرة أخرى خلال الفترة 1985 – 1987م. ولا يزال حديث الناس إلى اليوم، وخاصة من ذلك الجيل الذي عرف حقيقة هذا الرجل ونزاهته وصرامته وقوة شخصيته.


في العام 1988م تم انتخابه عضوا في مجلس الشورى عن ناحية السلفية وبلاد الطعام، وفي العام 1993م تم انتخابه نائبا عن مديرية الجبين، وكان أحد ثلاثة أصوات برلمانية كانت حديث الناس وعلى كل لسان: يحيى مصلح، الشحاري، الربادي. كان هذا الثلاثي صوت الشعب في الدولة.


كان الفقيد رجل دولة من طراز فريد ونادر، كما كان مضرب المثل في النزاهة المالية، وفي حسن السمعة وحب الجماهير له، لأنه كان منتميا للسواد الأعظم من الناس، منحازا لمصالحهم. إذا حل في منصب ما فرض هيبة الدولة بقوة.


وبحسب الكاتب عادل الأحمدي: اللواء يحيى مصلح صاحب الرصيد الوطني الكبير في النضال وفي السياسة والدبلوماسية والبرلمان والتعاونيات. والفقيد ممن أرسى دعائم الجمهورية من لحظاتها الأولى، وحتى وفاته، محترما لشرفه العسكري ولمسيرته النضالية، مناوئا الإمامة بالبندقية والكلمة والموقف.


اللواء يحيى مصلح ظل حتى آخر نفسٍ في حياته متوجسًا من خطر الإمامة، ولطالما كان يردد: "لم تقم الدولة بعد". وينصح الشباب: "انتبهوا لبلادكم".

كان آخر منصب شغله مستشارا لمجلس الرئاسة، ثم مستشارا لمكتب رئاسة الجمهورية، ثم أحيل للتقاعد بدرجة رئيس وزراء.


رحم الله المناضل الوطني الكبير اللواء يحيى مصلح الذي غادر دنيانا في فبراير من العام 2021م، محافظا على شرفه العسكري وعقيدته الجمهورية.

د. ثابت الأحمدي