من المؤكد أن لا السعودية ولا أمريكا ترامب يريدان استعادة إشعال الحرب باليمن. فالرئيس ترامب الذي يفكّر عادة من جيبه لا من رأسه، لا يرى في أي حرب في بلد فقير ممزق العُرى ينزف بغزارة منذ عقد من الزمن كاليمن شيء مغرٍ يسيل له لُعابه وبالذات في الشمال، فالمصالح الأمريكية باليمن محصورة كلها تقريبا في محافظات الجنوبية الشرقية و محمية كما نعرف بمظلة سعودية.وكلما تريده أمريكا من الشمال هو البحر الأحمر ومضيق باب المندب لضمان مرور سفنها وسفن حلفائها الحربية والتجارية بمن فيهم إسرائيل.
كما أن السعودية قد حسمت أمرها بشأن اليمن فالحل السلمي والتفاوض مع الحوثيين هو المخرج لها من هذا المأزق ،وقد اسندت مهمة إنجاز هذه الغاية للمجلس الرئاسي اليمني الذي تشكل رغبة ومصلحة سعودية تحت رعاية شرفية من مجلس التعاون الخليجي قبل ثلاثة أعوام. وبالفعل مضت الرياض تستجدي المصالحة مع الحوثيين بوساطة عمانية، واستطاع الطرفان التوافق على كثير من الملفات المعقدة بعيدا عن إشراك الطرف المعترف به (الشرعية)إنفاذا لشرط الحركة الحوثية. كما رفضت الرياض الإذعان للشروط إدارة الرئيس الأمريكي السابق بادين الانخراط بحلف الازدهار بالبحر الأحمر لئلا تنفرط سبحة التفاهمات مع الحوثيين.
اليوم يعود التوتر في البحر الأحمر مجددا وتستأنف أمريكا هجماتها على صنعاء والحديدة، والسبب أن الحوثيين الذين سجلوا نقاطا لصالحهم على الساحة العربية خلال سنة كاملة من حرب غزة بهجماتهم على تل ابيب واستهداف السفن الإسرائيلية ووقوفهم مع غزة قد تلبستهم حالة من الزهو المفرط لحد الغرور غير آبهين بالنتائج المترتبة على الأوضاع الداخلية المعيشية والاقتصادية المنهارة أصلا إن عادت عجلة الحرب للدوران من جديد و بشراكة وغطاء أمريكي. واليوم يبالغون اي الحوثيون بهذا الموقف إلى درجة أن اعتبروا ان مهمتهم أيضا هي ضمان إيصال الغذاء والدواء الى غزة وإجبار إسرائيل على السماح للقطارات بالدخول.
… من الجنون ان يتحمل الحوثيون على عاتقهم هذه المهمة وهي مهمة العالم بأسره، كونها مهمة إنسانية، ولن تقوى حتى اسراىيل على المنع حتى وإن جعلت منها وسيلة آنية لانتزاع مطالب من حماس،كما ان هذه الاخير تتحدث اليوم بتفاؤل عن مفاوضاتها مع اسرائيل. وبهذا يظهر الحوثيون أنفسهم ملكيٌ أكثر من الملك!
...الحوثيون الواقعون في غمرة النشوة والخيلاء لا يعرفون أنهم أمام رئيس أمريكي مجنون لا يعير أي قيمة إنسانية، فسوف يبطش بكل قوة في بلد مدمر ومسحوق، كما ان المزاج الجماهيري العربي العام يتوق للتهدئة والتسوية ولو على مضض،ولن يتعاطى بحماسة مع الموقف الحوثي الجديد. وبالتالي من التطرف ان يمضي الحوثيون بهذا الدرب، فسيخسرون ما حققونه من تعاطف وسمعة على الساحة اليمنية بالمحافظات الشمالية من شعبية وعلى الساحة الشعبية العربية، ،فضلا عن خسارتهم المتوقعة ان مضت الامور نحو التصعيد ما بقي معهم من إمكانيات تحت شدة الضربات العسكرية ووطأت العقوبات القاسية وقد تكون هذا التطورات عود ثقاب لثورة التمرد الشعبي.