آخر تحديث :الإثنين-17 مارس 2025-04:10ص

من الاحتواء الى الردع

الإثنين - 17 مارس 2025 - الساعة 02:37 ص

حسام ردمان
بقلم: حسام ردمان
- ارشيف الكاتب


من الاحتواء الى الردع:

لماذا اختلف النهج الامريكي تجاه الحوثيين؟


قبل المبادرة الى حصر نتائج العمليات الامريكية واستشراف مساراتها المستقبلية ، سيكون من المهم العودة ثلاث سنوات الى الوراء لفهم السياق الاستراتيجي الذي جعل بايدن صبورا تجاه الحوثيين ، ورصد المتغيرات التي طرأت اليوم على هذا السياق ودفعت ترامب لان يكون حازما معهم.


ونقطة الانطلاق ستكون العام ٢٠٢٢ ؛ حينما اعنلت الولايات المتحدة وثيقة امنها القومي والتي ركزت على تحقيق الردع المتكامل ضد الصين في منطقة الاندوباسفيك؛ وقد اقتضى ذلك تكثيف الانتشار البحري في المحيط الهندي وصولا الى تخومه الشمالية الغربية، وتحديدا منطقة باب المندب والبحر الاحمر .


وفي نفس العام ، اسست واشنطن فرقة العمل المشتركة ١٥٣ المسؤولة عن تامين الملاحة ومكافحة الارهاب في منطقة باب المندب والبحر الاحمر. و في اغسطس ٢٠٢٣ ضاعفت واشنطن من قوام اسطولها الخامس الذي يبلغ ٣٥٠٠ جندي وضابط ، وارسلت ٣٠٠٠ عنصر اضافي للانتشار في البحر الاحمر .


وفي سياق هذا التموضع الامريكي ، مثل التصعيد الحوثي فرصة ذهبية لواشنطن كي تواصل عسكرتها للبحر الاحمر ، وبصورة قانونية هذه المرة. لذا فقد التزم بايدن بقواعد اشتباك ودودة تساهم في تخفيف اضرار العمليات الحوثية ، مع الاستفادة من استمرارها لتعزيز مصداقية واشنطن كقوة دولية خيّرة وضامنة لامن الملاحة العالمية.


وفي يناير من العام الماضي ، نجحت واشنطن في اكتساب الشرعية بعد صدور قرار مجلس الامن رقم ٢٧٢٢ ، والذي اكد على "حق الدول الأعضاء في الدفاع عن سفنها ضد الهجمات ، واثنى على الجهود التي تبذلها الدول الأعضاء في تعزيز سلامة السفن التجارية ومروها بأمان عبر البحر الأحمر.

وشجع القرار أيضا مواصلة الدول الأعضاء بناء وتعزيز قدراتها".


لقد شكلت هجمات الحوثيين مصلحة مشتركة بين ايران وامريكا لاستعراض نفوذهما الجيوسياسي في البحر الاحمر . اما بقية الاطراف العربية والغربية فقد حاولت الاستفادة تكتيكيا من هجمات الحوثي ؛ و ذلك لتعزيز سرديتها الضاغطة على اسرائيل ، والتي ظلت تربط عودة الاستقرار الاقليمي بوقف الحرب في غزة. اما استراتجيا فقد حاولت هذه الدول الحفاظ على استقلالها امام الهيمنة الامريكية وقد رفضت الانخراط في مباردة حارس الازدهار.


وقد تمسك بايدن ، طوال العام ٢٠٢٤ ، بقواعد الاشتباك الودودة مع الحوثي ، خشية التدحرج الى مواجهة اقليمية اكبر مع ايران في ظل "وحدة الساحات"، ولتأكيد حسن نيته لاستئناف المفاضات النووية و وتحييد طهران عن الحلف الروسي الصيني.


وفي حين حرصت الادارة الامريكية السابقة على تعزيز هيمنتها العسكرية في البحر ، فانها تجنبت استخدام القوة على الارض كي تحرم موسكو من فتح جبهة استنزافية جديدة في الشرق الاوسط وتواصل توجيه مجهودها الحربي(ماليا وتسليحيا) لدعم اوكرانيا.


لكن هذا السياق الدولي والاقليمي تبدل بشكل عميق مع مجيئ الرئيس ترامب ونجاحه في وقف الحرب الاسرائلية على غزة؛ وبالتالي صارت عمليات الحوثيين تحديا استراتجيا لواشنطن بعد ان كانت بالامس فرصة جيوسياسية.


لقد استفاد ترامب من ارث بايدن وتكريسه الهمينة البحرية الامريكية في المنطقة ومنحها بعدا شرعيا . كما استفاد ايضا من تفكك محور المقاومة في الجبهة الشامية و سقوط مبدأ "وحدة الساحات".


و استطاع ترامب التخفف من اعباء الصراع العسكري في اوكرانيا ، ما اكسبه قوة دفع اضافية نحو سياسة "الضغوط القصوى" ضد ايران وشبكة وكلائها ، بدءً من العقوبات الاقتصادية ، ووصلا الى التلويح بالخيار العسكري(والذي يتجلى اليوم في الساحة اليمنية).


لقد تعذر على الحوثين قراءة السياق الاستراتيجي الجديد ، ربما بسبب العمى الايديلوجي ، وربما بسبب غرور القوة ، او ربما وقعوا ضحية لمقامرات الحرس الثوري. ومنذ تصنيفهم كجماعة ارهابية ، بادر الحوثيون الى الدخول في اختبارات قوة متدرجة.

و في فبراير الماضي اطلقت جماعة الحوثي صواريخ سطح- جو على طائرة مقاتلة أمريكية وطائرة مسيرة من طراز إم كيو-9 ريبر . ثم في مارس اعلنوا عن استئناف عملياتهم في البحر الاحمر ، و حاولوا اختبار صبر واشنطن من خلال القيام بعملية محدودة دون تبنيها بشكل صريح.


لقد حاول الحوثيون استنساخ تجربتهم في اكتوبر ٢٠٢٣ ، اذ انهم مع كل مره كانوا يطمئنون فيها الى ردود الفعل الامريكية ، يذهبون خطوة اضافية في التصعيد . لكن ترامب قرر هذه المرة المبادرة الى تغيير قواعد الاشتباك وفرض معادلة ردع تتراوح بين اربعة مستويات متدرجة:

١- استهداف البنية التحتية العسكرية

٢- استهداف البنية التحتية المدنية

٣- تصفية القيادات وقطع الرؤوس

٤- دعم مناورة برية لتحرير اراضي جديدة.


وتمثل عمليات الامس رساله صريحة حول جدية الردع الترامي؛ وبقدر ما سيغامر الحوثيون بالتصعيد المضاد فانهم سيجازفون بتجرع مستوى اقوى من الرد.


والخلاصة ،التي لا يبدو ان قيادة الحوثيين تستوعبها حتى الان؛ ان امريكا لم تعد مستفيدة من ضبط النفس، وان ايران لم تعد قادرة على حماية وكلائها او ردع خصومها.


اما الدول العربية -والتي مارست ضغوطا حقيقة على ادارة بايدن لضبط النفس في اليمن و التركيز على غزة كاولوية قصوى- سوف تقف اليوم رسميا على الحياد كما انها ضمنيا قد تؤيد ترامب ؛ لانها تدرك ان سلوك الحوثيين المتهور هو بالضبط ما يحتاجه نتنياهو كي يقفز على المبادرة العربية لاعادة اعمار غزة.


ولانها سبق وان جربت حملة التصعيد الحوثي وكانت المحصلة ان اسرائيل استفادت منه سياسيا ، وايران وامريكا استفادوا منه جيوسياسيا، في حين دفعت الدول العربية تكاليفه من اقتصادها الوطني وامنها القومي.